د. محمد عبدالله الخازم
هناك جوانب عدة، يمكن من خلالها مناقشة فكرة ضم الكليات العسكرية ضمن منظومة أو مظلة تنظيمية واحدة، نقترح تسميتها بالجامعة الملكية العسكرية، أو جامعة الملك سلمان العسكرية. قد تبدأ الفكرة بكليات وزارة الدفاع، ولاحقًا تضم لها القطاعات الأخرى، كالحرس وقوى الأمن. سأبدأ بالجانب الذي لا أجيد مناقشته، وهو الأمني والسياسي، ولستُ أراه خطرًا توحيد مرجعية الكليات العسكرية ضمن منظومة واحدة باعتبارها مكملة لبعضها، وليست متنافسة في مجال واحد من مجالات العسكرية..
الجانب التعليمي والبحثي: التوجهات الأكاديمية ترى جدوى التعليم التداخلي والتكاملي بين التخصصات المختلفة. كلما تنوعت خلفيات المتعلمين وتخصصاتهم كان هناك إثراء تعليمي أكبر، وجودة بحث علمي أفضل. ما الذي يمنع دراسة سنة أو سنتَين مشتركتَين قبل التخصص العسكري أو الأمني؟! أليس الأجدر اختيار الكفاءات لكل مهنة/ قطاع عسكري وفق مقاييس ومعايير تُبنى في السنوات التحضيرية بدلاً من دخولهم لها في عمر صغير بعد الثانوية؟
كلياتنا العسكرية تحتاج إلى تطوير البحث العلمي، وتعلُّم طلابها مهارات تنتمي إلى تخصصات عسكرية متنوعة، وكذلك إثراء خريجيها ثقافيًّا واجتماعيًّا. تعلُّم المتدربين اللذين سيعملون جنبًا إلى جنب في الميدان مع بعض سيُثري كل ذلك. في الميدان هم لا يعملون بشكل منعزل كل عن الآخر (الطيار يعمل مع البحري مع المدفعية مع الدفاع الجوي.. إلخ)؛ فلِمَ لا يتعلمون في منظومة واحدة طالما هم سيعملون معًا في بيئة واحدة؟ تحويل الكليات العسكرية إلى جامعة سيتيح لها كذلك تقديم تعليم دراسات عليا مدنية وعسكرية عبر استقطاب باحثين وأساتذة، تخصصاتهم مدنية وعلمية وليس بالضرورة عسكرية، يسهمون في تطوير البحث والتدريس وغيرهما. المملكة لديها حماس للتوسع في الصناعات العسكرية والحديثة التي يتطلب تميزها تطور البحث العلمي المتخصص.
الجانب الاقتصادي: لا شك أن هناك أمورًا مشتركة ومكررة في الكليات العسكرية، سواء في مجال المواد الدراسية أو الفصول أو القاعات أو الأنشطة أو المكتبات.. إلخ؛ وبالتالي فإن التحول إلى جامعة سيقلص الهدر الاقتصادي في التعليم العسكري بالاستفادة من توحيد المقار، وتقليص الهيئة التدريسية، بالذات غير المتخصصة، وغير ذلك من الجوانب ذات العلاقة.
أخيرًا، أقترح النظر في إمكانية تأسيس مقر حديث للجامعة العسكرية خارج المدن الرئيسة الكبرى؛ ليكون منطلقًا لنهضة مدن حديثة كما حدث سابقًا في نهضة خميس مشيط أو تبوك بفضل القواعد العسكرية فيها. ما الذي يمنع أن تكون الجامعة العسكرية في القنفذة أو حائل أو الجوف أو الباحة أو بيشة أو غيرها؟ طبعًا مع وجود فروع بأماكن أخرى وفق الحاجة، كما قد يتطلبه وجود الكلية البحرية على مدينة ساحلية؛ لنحقق بذلك ليس فقط تأسيس مقر حديث متكامل للجامعة، وإنما نسهم في التطوير الاقتصادي والتنموي لمدن حديثة، ولنخفف الضغوط على الرياض. الموظف العسكري والطالب العسكري ليسا مثل المدني بحيث نحتج بأن كلية أو جامعة في منطقة نائية لن يجذبهما؛ فواجباتهما تقتضي عملهما في أي مكان تفرضه مرجعياتهما، ويفرضه الاحتياج، بل إن دراستهما في مدينة بعيدة تعزز شخصيتهما في الاستقلالية والجدية، والعمل في أي مكان يُطلب منهما.