محمد آل الشيخ
قطر لا تملك إلا الغاز وريعه، وقناة الجزيرة وتحريضها، وضع نقطة في نهاية السطر. غير أن قناة الجزيرة التي كانت لها صولات وجولات إبان التحريض على الثورات وإشعال الفتن في الماضي، لم تعد اليوم كما كانت بالأمس؛ فتطنيشها من قبل سلطات دول المقاطعة، وعدم الاكتراث بحملاتها الإعلامية، جعلها ترتبك وتفقد مهنيتيها التي كانت إلى حد ما تتميز بها في بداياتها، وتحولت إلى أداة حشد وتحريض وتصيد وانتقائية، يستطيع حتى غير المتخصص أن يلحظها في خطابها الإعلامي بوضوح.. الأمر الآخر لم تعد كما كانت في السابق تحتل حيزاً كبيراً من الموثوقية في الخبر وتحليله، وبالتالي استقطاب المشاهد العربي دونما منافسة.. الآن امتلأ الفضاء العربي بالقنوات الإخبارية المنافسة والأكثر رصانة وإلى حد كبير أكثر استقلالية، سواء العربية منها مثل قناة العربية وقناة سكاي نيوز العربية، أو القنوات الغربية الناطقة بالعربية، ما جعل المتلقي يجد خيارات أخرى غير الجزيرة؛ وليس لدي أدنى شك أن (المقاطعة السياسية) التي نزلت على الساسة القطريين نزول الصاعقة، جعلتهم يرتبكون و يتدخلون في تفاصيل ما كانوا يتدخلون فيها في السابق، بالشكل الذي حولها إلى هذه الرداءة في المضمون، وصرف عنها بالتالي كثير من متابعينها، خاصة من النخب.
إضافة إلى أن ميزة الجزيرة النسبية بين المحطات التلفزيونية تكمن في الحضور وسرعة الوصول إلى مسرح الحدث، فمكاتبها المنتشرة حول العالم أعطاها هذه الميزة التنافسية، فما يكاد يحصل حدث ذو بال، حتى يذهب المتلقون إلى الجزيرة، لأنها الأقوى والأسرع ولأن لا أحد ينافسها. الآن فقدت هذا التميز، وأصبح هناك من هو يضاهيها، أو أسرع منها، وأقدر على التحليل، واستقطاب المعلقين من كل أنحاء العالم، وهذا في تقديري من أهم العوامل التي أضعفت الجزيرة، إضافة للعوامل الفنية التي سبق أن أشرت إليها.
أضف إلى ذلك أن صدقيتها ورصانتها وحياديتها التي تحاول جاهدة الظهور بها بمهنية اهتزت كثيراً، خاصة بعد فشل الربيع العربي، ثم خروجها عن الرصانة، في مواجهتها لهذا الفشل الذريع.
القطريون دائماً وأبداً عندما تواجههم معضلة فليس في أيديهم إلا المال، ينفقونه بشكل جنوني، لإخراجهم من أيّ أزمة يتعرضون لها، إلا أن المال وإنفاقه ليس دائماً حلاً، خاصة وأن الوسائل الإعلامية تقوم قوتها على السمعة، فإذا كان المال قد يمكنها في كثير من الأحوال اختصار الزمن، إلا أن الوسيلة إذا فقدت مصداقيتها وثقة المتلقي بها، يكون من الصعب، بل ومن الصعب جداً، أن تستعيد قيمتها وتأثيرها، مهما بذلت من أموال، بالشكل الذي يجعل إقامة وسيلة إعلامية جديدة أفضل من أن تعيد الروح في وسيلة اكتنفتها سمعة سيئة، وأخذ المتلقي عنها انطباعاً سلبياً.
بقي أن أقول إن قناة الجزيرة التي راهنت بشكل مندفع وجنوني على ثورات الربيع العربي كان من الطبيعي أن ينالها من الفشل ما نال الربيع العربي نفسه.
إلى اللقاء،،،