يوسف المحيميد
لن يستطيع المرء، ممن جرَّب السفر بين دول أوروبا لقطاراتها، أن يستبعد هذه الذاكرة وهو يتخذ مقعده في قطار الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)، ولا بد في لحظة ما أن يعقد مقارنات قد لا تبدو منطقية بين هاتين الحالتين، بين السفر من الرياض إلى القصيم، وبين السفر بين زيوريخ وباريس على سبيل المثال.
لا أتحدث عن الطبيعة القاسية لدينا وبين الطبيعة المدهشة هناك، فلكل منطقة في العالم طبيعتها، بل إن يسير قطار في منتهى الفخامة ويشق الصحراء بثقة، يجعلني أشعر بالفخر والعزة بوطن بدأ يسير نحو مستقبلة بثقة، وبمنافسة دول العالم الكبرى، ولكن الجلوس على مقعد قطار درجة رجال الأعمال يفترض أنك في حالة هدوء وراحة، لا أن يتخاطف الأطفال بين الممرات، وتركض خلفهم الخادمات، ولا أن يستخدم أحدهم جواله ويتحدث بصوت عال كما لو كان وحده دون احترام للمكان والمسافرين، هذه التصرفات تقلل من جمال هذا المنجز العظيم، وهذا التنظيم والجودة الذي بذلته الشركة في مشروعها، نعم نحن ندرك أن نسبة فئة الأطفال والشباب في مجتمعنا كبيرة، قد تصل إلى 70 بالمائة، فمجتمعنا شاب على خلاف المجتمعات الأوروبية، ولكن لا بد من طريقة أو عربة في القطار لدرجة أولى مثلا، أو عربة تخصص للكبار ولا يدخلها الأطفال مطلقًا.
ومن المشاهد اللافتة أيضًا، عامل النظافة في ممرات القطار، وهو مهم للغاية، لكنه بشكل آخر يعبر عن مجتمع اتكالي، لا ينظف ما يتركه من بقايا أكل وأكواب فارغة، على عكس القطارات في أوروبا، وهذا يتطلب وقتًا طويلاً، وثقافة تسود بين الناس، كي يتطور سلوك المجتمع، وهو بالتأكيد لن يتطور من غير الممارسات، تلك الممارسات التي تظهر بشكل واضح في الأماكن العامة، والنقل العام.
ولعل أهم من كل ذلك، هو ضرورة تشغيل رحلات أكثر يومياً، فلا جدوى من أن تبحث عن حجز قبل يوم أو يومين وتفشل، لذلك يفترض تسيير رحلات على مدار الساعة، بحيث يضمن مستخدم هذه الخطوط مقعداً حتى من غير حجز، خاصة مع كثافة استخدامه من قبل المواطنين، وبالذات الأسر السعودية.
أخيرًا لا تفوتني الإشادة بمباني المحطات الفخمة، فمحطة قطار سار في الرياض تضاهي المحطات الأوروبية، وإدارتها أيضًا كانت ناجحة ومميزة.