عمر إبراهيم الرشيد
هذه واقعة رواها في مجلس رجل ثقة مرت به مع سائق أجرة (أوبر). يقول صاحبنا: «طلبت الخدمة فحضر مواطن بسيارته، وبعد السلام أخذت أتجاذب مع الرجل أطراف الحديث وإذا به ضائق النفس متكدر الخاطر. سأله صاحبنا عما به فقص عليه الرجل ما وقع له، فقد قام بتوصيل رجل إلى بغيته، وعندما أخبره بالمبلغ طلب منه ذلك الرجل رقم حسابه البنكي حتى يحول له المبلغ، لكنها كانت خدعة إذ أنه لم يستلم المبلغ ولم يتم التحويل. يقول السائق إن ما زاد في ضيقه أن ذلك الزبون عليه مظاهر الالتزام مما حمل السائق بطيب نية على الوثوق به، إنما للأسف أنها مظاهر لا تدل بالضرورة على الجوهر. يقول صاحبنا قمت بتطمين السائق وتهدئته وتكفلت بتعويضه عن ذلك المبلغ. ثم لما هدأت نفسه أخذ هذا السائق الذي يكد ليعيل أسرته من كسب شريف يقص على صاحبنا قصة أخرى حدثت له من قبل، قال إنه عندما اقترب العيد بدأ أبناؤه يسألونه عن هداياهم بمناسبة العيد، عندها أجابهم بما استطاع من كلمات لتطمينهم والإفلات من ذلك الموقف المؤلم، حيث أنه بالكاد يجد ما يسد به رمقهم فكيف بشراء هدايا العيد. فخرج من بيته بعيون دامعة وركب سيارته الأجرة طلباً للرزق، وكان أن وقف لامرأة ركبت معه لإيصالها إلى بغيتها. طلبت تلك المرأة من هذا السائق إيصالها إلى عدة بيوت وكان ينتظرها عند كل بيت للتحرك إلى بيت آخر. ولما طلبت منه العودة إلى بيتها وبعد أن أوصلها، مدت إليه ظرفاً وقالت له (رأيت عليك سيما الجد ونظافة المقصد وأنك تكد لطلب الرزق، وقد وزعت صدقات للبيوت التي مررنا بها، وهذا المال هو من فاعل خير كلفني بصرفه لمن يستحق). يقول ذلك السائق بعد أن شكر معروفها، فتح الظرف وإذا هو يحوي خمسة آلاف ريال!، تكفيه لشراء هدايا أولاده وتموين بيته ورزقهم، وتحدرت الدموع من عينيه فرحة وشكراً للرزاق الكريم، بعد أن تحدرت حزناً وشفقةً على أولاده وشعوره بالعجز عن تحقيق أحلامهم الغضة، فسبحان مقسم الأرزاق وفارج الكربات.
هذه المواقف والقصص الواقعية تجدد الإيمان حقيقة، بأن الرزق مقسم ويأتي به الله من حيث لا نحتسب، وعلينا العمل والتوكل على الله فمن سعى لرزقه وجده. أما مظاهر الصلاح كما في واقعة الراكب الأول، فليست كافية للوثوق بصاحبها أو الحكم عليه بالأمانة وحسن الخلق. هي الحياة مدرسة، فقط علينا استخلاص الدروس والعبر من دفاتر أيامها، ودمتم في رعاية الكريم.