رمضان جريدي العنزي
المحسنون الخيرون من بين أيديهم يتساقط الفرح، يسابقون الريح على الخير، يسكبون السعادة على أرواح اليتامى والمحتاجين والأرامل، وينثرون البسمة وردًا على شفاههم الذابلة، هم مثل نهار ممطر، وليلة ماطرة، وشمس باهرة، أقمارًا على بيوت المساكين ونجومًا، ما عندهم عتمة، ونهارهم جلي، لا يعرفون أبجدية الشح ولا البخل، ويكرهون الإمساك، بذور الإحسان عندهم مثمرة، وأشجارها عالية، وحدائقها غانية، عطاؤهم مثل نهر وعطر، والمدى عندهم فسيح، يوقدون في النفوس الفرح، ويشعلون الفوانيس العتيقة، هو ذا ديدنهم، محسنون، ينام الإحسان في أرواحهم كأنه الوجد، وجوههم ضياء من فرط التوهج، ومن عيونهم يجيء البريق، أعمالهم مثل رابية رائعة، يزهر النوار حول حوافها وشقائق النعمان، في متعة لا تقاوم، ومنظر خلاب، هم يسلكون الصباح، وجنح الظلام، يبحثون عن مريض لا ينام، وأرملة ومسكين، أو يتيم أصابته الحشرجة، هم مثل بوصلة يعرفون الجهات والمناطق والبيوت العتيقة، التي تئن بالمواويل الحزينة، يهرعون على عجل، يزرعون الأرض قمحاً كي لا يموت المحتاج من وقع لهاثه، ما أتعبهم الركض قط، ولا صابهم بعض الوهن، نهرهم العذب ما جف ولا شح ولا خالطه الكدر، ويدعجون عيون المساكين بكحل الأماني العذاب، ويملأون دوائرهم المفرغة بسلال العطايا، قاماتهم شامخة مثل نخلة، أو مثل غيمة تعطي للناظرين بشارة، هم مثل فراشة رقيقة، أو نسمة ناعمة، يحطون على الروح القلقة كي يصيبها الانشراح وتستكين، ضفروا جدائل الإحسان ضفيرة ضفيرة، عطروها ولونوها بالحناء كي تجلب للنفس الحبور والسعادة، هم كشلال له هدير، أو غدير له خرير، أو بنفسج في الساحات جميل، أو طل صباح، أو شحرور غنى لطفل يتيم أو يتيمة، هم سلال تمر وفستق ورغيف خبز، كروم عنب، وجذع توت وتفاح، عندهم للفقير احتضان، يمسكون بيده لكي لا يطيح، ويأخذونه للسفوح الظليلة، يحملون القناديل لا يتعبون، ويوقظون في الإنسان معاني الإنسان، ولا يهمهم أنثيال القوافي، أو مديح القصيد، لهم مرايا، ولهم حكايا، ولهم ظلال، ولهم بياض، وما عندهم تحيز أو غضب، هم المحسنون، نشامى عطاء، ما ينامون إلا بعد هزيع الأخير، تبتل حناجرهم بالصلاة وتراتيل الدعاء، هم كوردة أو وشاح أنيق، ما ارتخت في الخير عزائمهم يومًا، ولا صاب عيونهم الغبش، كالرحيق يهبون للأرواح المتعبة شراب شفاء، وكالحمام، يهدل ويذهل ويطير نحو الفضاء، ثم يعود مشبعاً بالحبور والتصفيق والزهو والسلام.