عبده الأسمري
ما إن نشر مقالي الأسبوع الماضي «ألغاز محيّرة.. من يملك الحل»؟ حتى وردتني التعليقات بكثافة كردات فعل تأتيني بعد أي مقال..
اعتدت الرد على الصادق الصدوق والناقد الواضح وتجاهل الجاهلين والفارغين.. وفي الوسط تأتيني ردود أضعها في «حيز التحليل» لا تجاهها إلى قطبية «الذاتية المفرطة»! ونوع أخير يعكس عدم «وعي» القارئ بتفاصيل المقال الذي يتجاوز مساحة فهمه.. وقد عادت بي الذاكرة إلى مقالات عدة كشفت لي تصنيفات بشر كانوا يتوارون خلف الشعارات وهم في الحقيقة مدافعون من خلف الستار عن الأخطاء وينتمون إلى دوائر السوء بسرية ويظهرون علناً في عباءة «الناصحين» ورداء «الفالحين» ولكن بعض المقالات كتبتها بأنفاس «التخصص» وببعد نظر شخصي وفق اتجاهات «دراسة السلوك» ونعمة «البصيرة» فكانت ردودهم بمثابة اعترافات علنية دون تحقيق..
سأتحدث اليوم عن «الحيل الدفاعية» والجهل المستديم الذي ربض على العقول واحتل الأرواح وباتت «دوياً» يردد صداه في آذان «اللاهثين» وراء الغفلة و»المتلهفين» للعيش مع اللا معقول.
يلوث «الجهل مساحات الضياء الإنساني والنور البشري الذي ترسمه «الفطرة السوية» وتؤطّره حدود المعاني النبيلة الأصيلة لأصول الحوار الراقي وأسس النهج الواعي..
ابتلي بعض الأشخاص بمتلازمة «الحنين إلى الجهل» في أي دائرة تعامل أو نقاط التقاء مع الآخرين مما يجعله مبحراً في حشد كل وسائل الأنانية والذاتية لتشكيلها في هيئة «حيل دفاعية» تستميت للدفاع عن الخطأ لتميت المنطق في داخله وتقيم سرادق «العزاء» في وجدانه على فقدان كل مشاعر الوصال والمعاملة المثلى.
نسمع مفهوم «الجهل» كثيراً.. وما أصعب أن تواجه الجاهل فهو «عدو» الرقي ومناصر «العشوائية» وسليل «التعنت» ومبرمج «العزة بالإثم» ومؤسس «الاعتزاز بالباطل».. وعندما ترى جاهلاً عليك الاحتياط فإن لم يجد مخرجاً لهزيمته سيبتدع «معركة» أخرى تستوعب أنفاسه الملوّثة بالأخطاء وتشبع روحه اللاهثة خلف الأهواء ليتفنن في إبطال مفعول النقاش ويحترف إجهاض فعل الموضوعية.
بعض النماذج البشرية أشبه بالآلات وأقرب إلى الويلات يجيدون «الترديد» ويتقنون «التردد» يتعلقون بالصد ويتشبثون بالصدود.. تمتلئ أفواههم بالحديث «الفارغ» وتتفوّه ألسنتهم بالفراغ المحدث..
ما بين نزعة «الحجج الواهية» و»نزغة الدلائل المتقطعة» يبقى «الجاهل» في متاهة «الضياع» دون ثبات وبلا أثبات فتجده خائضاً لمعركة عشوائية مع منطلقات المنطق فيكثر «لغوه» وتعلو «صيحاته» وتتقافز منه أساليب «الهمجية» وسلوكيات «التهجم».
مكافحة الجهل.. مسؤولية معرفية.. وأمانة منهجية على كل إنسان في محيط عمله وحياته وشؤونه.. فالجاهلون يتربصون بنا «الدوائر» وقليل من الجهل يفسد «مساحات» النفع ويشوِّه «ساحات» الثقافة..
الجاهلون.. يقيمون بيننا يتلبسون أقنعة «الزيف» يتبجحون بالتنظير على الأغلب يحتجون بالدين أحياناً ويحاجون بالحرية أحايين أخرى.. يحتاطون بأسوار هشّة من الحيل ويشتاطون غضباً بمجرد نثر شيء من العقلانية أمام أفقهم «المنغلق» على قلوبهم المريضة.
عادة ما يلجأ الجاهل إلى الحيل الدفاعية كالإسقاط والتبرير والإعلاء لتمرير «سفه» الجدال و»عته» التجادل باحثاً عن مصفقين ومؤيدين ورابضين في «قبو» الحماقة.
الجاهلون «كل منهم يعمل على شاكلته» فمرايا «النتائج» تعكس ذات الصور طبق الأصل من الجهل..
قضية «الجهل» هي من أخرجت لدينا في زمن مضى ثورة «التصنيفات» وهي من أخرجت لدينا «المزيفين» في مواقع الأعمال وأماكن المهنية..
الجهل أشد سوءاً من الفتنة وأعظم فتكاً من السوء لأنه الشرارة الأولى لكل الأخطاء التي تنشأ منها الظواهر ثم ما إن تلبث حتى تصبح «ورماً مزمناً» يحتل جسد «السوية» و»عدوى خطرة» تنثر سموم الإصابة المؤكدة في اتجاهات السلوك والتعامل والتعايش.
نحن على ثغر نواجه فيه جيوشاً من الجاهلين المتأبطين شر «غبائهم» المتلوّنين بسواد «غيّهم»ومن خلفهم وبينهم «خلايا نائمة» غارقة في «سطوة» الجهل علينا أن نعد العتاد وأن نعلن الاستنفار لمواجهة هذا «العدو اللدود» لنطهّر الماضي من سوءات تدخلاتهم ونحمي الحاضر من سلبيات هجماتهم ونصنع المستقبل بمنأى عن ترهاتهم ومهاتراتهم.. حتى نختصر الزمن في هزيمتهم وننتصر للسواء أمام ثوراتهم.