د. فوزية البكر
لم يعد سراً أننا كنساء سعوديات خرجنا أخيراً من كهف التجاهل والغرائبية إلى عالم الواقع واليومية.. مثل كل النساء والرجال في كل أنحاء العالم. لا خصوصية تدفع إلى الإقصاء ولا دونية تمنع من الحق. ما أجمل واقع اليوم.
اليوم لدينا امرأة بمرتبة وكيل وزارة لتمكين المرأة في وزارة الخدمة المدنية وهي الأستاذة هند خالد الزاهد التي ستجعل هذا الملف بحماسها وحرصها الوطني المتقد محسوساً على طاولة كل وزارة فتمكين المرأة هو أحد الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني الذي يجعل المرأة شريكاً استراتيجياً لتحقيق هذه الرؤية من خلال تمكينها في مختلف المواقع الحكومية والخاصة، لذا كان مهماً مثلاً (ولإعطاء نموذج) إشادة الأستاذة هند الزاهد بالخطوات المتقدمة التي اتخذتها وزارة تقليدية ومحافظة جداً مثل وزارة العدل:
(أرفع القبعة احتراماً لوزارة العدل على هذا الجهد والإنجاز الوطني والتنموي الكبير الذي يصب في مصلحة بنات وأبناء الوطن بتوظيف كوادره لتحقيق ما تصبو إليه القيادة الرشيدة من نهضة إدارية شاملة في مرافق الدولة من خلال تمكين المرأة السعودية في مجال العمل في القطاع العام).
وللدلالة على أهمية هذا الملف السعودي الشائك كان من ضمن أهداف أميرنا المجدد الشاب محمد بن سلمان عند حضوره لقمة العشرين التي عقدت أخيراً في اليابان أن يكون مشاركاً في جلسة تمكين المرأة، حيث أكد ضرورة السعي للوصول إلى الشمولية والعدالة لتحقيق أكبر قدر من الرخاء مع ضرورة الاهتمام بالشباب ككل، وبريادة الأعمال لتحقيق النمو المستمر وتشجيع رواد الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وأكد المشاركون في الجلسة ضرورة إبراز الجهود في سبيل دعم المرأة اقتصاديًا، وأهمية ذلك في رفع الناتج القومي للدول، وكذلك ضرورة التعاون مع الدول الأقل اقتصادًا في سبيل محو الأمية التقنية للمرأة، بالإضافة إلى التدريب المهني، وريادة الأعمال للسيدات، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وإيجاد فرص عمل متساوية.
وتمضي المملكة بخطوات كبيرة في ملف تمكين المرأة في مختلف القطاعات، بحيث ارتفعت نسبة مشاركة المرأة خاصة في القطاع الخاص إلى نسب غير مسبوقة، كما تمضي التشريعات تدريجياً لمعالجة أي مظهر من مظاهر التمييز نحو المرأة وتتواتر الأخبار اليوم حول الإنهاء الكلي لكل تبعات موضوع الولاية الذي يتخذه الغرب ذريعة للهجوم علي المملكة بعد أن قمنا بإغلاق معظم الملفات الشائكة حول المرأة مثل قيادة السيارة واحتلال مناصب مهمة تمكن المرأة في مجال صنع القرار ومتابعة كل أشكال التمييز ضدها ومحاسبة أي جهة حكومية أو خاصة كما جاء القرار الملكي الشهير رقم 333.
لكن موضوع تمكين المرأة والاختلاف على معناه وحدوده يغوص في الذاكرة الجمعية لهذه الأمة بشكل أكبر مما نتصور خاصة بعد سنوات الاعتقال الرمزي والفعلي التي عانت منها المرأة السعودية خلال فترة الصحوة.
ويتجلي موضوع تمكين المرأة بأبعاده الثقافية والاجتماعية عند صدور أي قرار لصالح المرأة كما ينغمس في البيوت والمناقشات العائلية والعامة بحيث تحرم الكثير من النساء من مكتسبات رؤية 2030 بسبب موقف العائلة أو الزوج الذي لا يمكن في النهاية الاستغناء عنه، لذا كان من الضروري خلق برامج تهيئة عامة تتولاها الجامعات وغيرها، وتهدف إلى تجسير الطريق في أذهان العامة خاصة الرجال، خاصة المواطنين القاطنين خارج المناطق الكبرى الحيوية التي يصنع فيها القرار لجعلهم جزءًا من هذا التمكين بفهم أبعاده الثقافية والاقتصادية وإبعاد أي تشويش يكون قد ترسخ في أذهانهم حول أدوار المرأة.
الدعم المجتمع مهم لتفعيل فرص تمكين المرأة، لكن أيضاً الأكثر أهمية هو الدعم الشعبي والأسري والعائلي (العائلة الكبيرة للمرأة) لقبول التحولات الثقافية الكبيرة التي تطال أفكاراً كثيرة من مثل: من هي المرأة؟ وما هي وظائفها؟ وهل أستطيع أن أراها بشكل مساوٍ مع الرجل رغم اختلاف الوظائف والحقوق والواجبات؟
في قضية تمكين المرأة لا يوجد منتصر، إذ هي ليست حرباً على الرجل ولا يجب أن تكون. هي دعم لكلا الجنسين باعتبارهما مواطنين كاملين يسعيان معاً لخلق فرص تعليمية ووظيفية تحقق طموحهما وتمكن البلاد من الاستفادة من طاقاتهما البشرية، ولذا فهو شراكة حقيقة مع الرجل الذي يجب أن نقدم له برامج تركز على الأبعاد القيمية والثقافية والفلسفية لتمكين المرأة ولفكرة تواجدها في المجال الاجتماعي العام. حفظ الله هذا البلد آمناً مستقراً.