د. عبدالرحمن الشلاش
مَن يتذكَّر منا، وفي الماضي القريب، أي قبل عقد من الزمان، الموقف من التلفزيون، ومن التصوير، ومن تعليم المرأة، ومن عملها في غير مهنة التعليم، ومن الاختلاط في الأسواق والأماكن العامة، ومن قيادة المرأة السيارة والطائرة، حتى أن أحدهم قد رأى أنها تؤثر على المبايض، وآخر رأى أن قيادتها مركبتها فتحٌ لباب من أبواب الشر.
وأعتقد أيضًا أننا ما زلنا نتذكر المواقف المتشددة من مشاركة المرأة في الفعاليات المجتمعية بألوانها وأشكالها وصورها كافة، واعتبار ذلك نوعًا من التفسخ والاحتكاك بالرجال الذين شُبهوا حينها بالذئاب الجائعة. ومن السينما، وكونها ستكون -حسب الوصف الماضوي - من أماكن لقاء العشاق وترتيب المواعيد.
القائمة تطول في وصف ما كان محرمًا تحريمًا مغلظًا. وتلك المحرمات في الماضي قوبلت بردود فعل، وصلت إلى حد العنف وتكسير الكاميرات والأجهزة، واقتحام المسارح والعروض، وإفسادها وتحطيمها على أهلها، وتعريض منظمي معارض الكتاب للحرج، ورفض الرياضة النسائية بكل أشكالها وصورها بحجج وأدلة واهية بعيدة عن الدين والشرع رغم أن الدين لم يحرّم تلك الأشياء التي ذُكرت، وإنما ركز على الضوابط التي تميز المجتمع المسلم، مثل الاحتشام وعدم الخلوة أو التحرش أو الابتزاز. عشنا ردحًا من الزمن نعيش واقعًا مؤلمًا في تجاذبات تميل للانتصار للرأي الأحادي بعيدًا عن المناقشات الهادئة للأفكار المطروحة، ووضعها أمام معيار الدين ثم العرف وطبيعة المجتمع، ومدى تماشيها مع الواقع.
اليوم تغيَّرت الأحوال لنرى بأعيننا محرمات الماضي وقد تحولت إلى مباحات، يمارسها ويتمتع بها الناس حتى مَن كان يعتبرها من المحرمات والموبقات والمهلكات.. فماذا حدث؟ هل تغيَّر الدين أم تغيَّر فكر مَن كان يرفضها؛ فزادت نسبة الوعي لديهم، وباتوا أكثر تقبُّلاً للجديد؟ أم أن الواقع فرض نفسه؟
الحقيقة إن الدين لم يتغيَّر، ولن يتغيَّر، والفكر هو الفكر، وإن استثنينا بعض مَن كانت تمارَس عليهم الضغوط من جماعات معينة، لكن المؤكد أن الواقع فرض نفسه بإرادة سياسية قوية، إرادة تغيير لم تعارض الدين، بل إن التغييرات انطلقت من فتاوى دينية، ومع إرادة التنظيم تماهى الجميع مع الواقع الجديد بعد سَن الأنظمة الصارمة الضامنة لسلامة التطبيق.
اليوم نمرُّ بظروف مشابهة عند طرح موضوع عدم إغلاق المحال وقت الصلاة، والسماح للنساء بزيارة القبور، وما قوبلت به من ردود فعل عنيفة من البعض، والدخول في دوائر جدل جديدة، قد تستمر لسنوات، بينما المفترض مناقشة هذه الموضوعات وموقف الدين منها، ومدى قوة أو ضعف الأدلة الواردة؛ لنصل في نهاية الأمر لكلمة سواء.