د. أحمد الفراج
لم يتحدث رئيس أمريكي ضد إيران كما فعل الرئيس ترمب، فقد بدأ ذلك، منذ حملته الانتخابية للرئاسة، وبالتالي حقق وعده، وانسحب من الاتفاق النووي، الذي أبرمه أوباما مع حكام طهران، وهناك من المعلقين من يرى أن ترمب تجاوز آراء معظم مستشاريه، وانسحب من الاتفاق النووي، ليس فقط لقناعته بخطورة النظام الإيراني، وإنما لتحقيق وعده بمسح تاريخ سلفه، باراك أوباما، فبين الرجلين عداء شديد، منذ أن قرّر ترمب منح مبلغ خمسة ملايين دولار لمن يثبت أن أوباما ولد على الأراضي الأمريكية، فانتقم منه أوباما في حفل مراسلي البيت الأبيض، عندما أضحك عليه الجمهور، وداس على نرجسيته بشكل لا يجيده إلا السياسي الهادئ عندما يغضب، فأوباما نادراً ما يغضب، ولكنه عندما يفعل، يصبح مدمّراً لخصومه.
أعتقد ترمب أن حصار إيران بشكل مكثّف سوف يخضع الملالي، ويجعلهم يأتون صاغرين إلى طاولة المفاوضات بالشروط الأمريكية، ويبدو أن حساباته اصطدمت بواقع لم يأخذه في الحسبان، فقد خذله خصومه وهم كثر، في الداخل الأمريكي وحول العالم، فالديمقراطيون، الذين ربما يكرهون ترمب أكثر من كرههم لحكام طهران، لم يكونوا سعداء بانسحابه من الاتفاق النووي، وهم يعلمون أن هدفه هو إبرام اتفاق جديد وبشروط جديدة يُجيّر باسمه وباسم الجمهوريين، بدلاً من اسم أوباما، ولهذا تجاوزوا مشاغبات إيران، وأمسكوا بالعصا من المنتصف تقريباً، لأن الانحياز كليّاً مع إيران سيدمّرهم سياسياً، وإيران تراقب وتعرف ما يدور، لأن علاقاتها بالديمقراطيين فوق الجيدة، خصوصاً أعضاء إدارة أوباما، وتحديداً عرَّاب الاتفاق النووي، جون كيري، الذي لم يعد سرّاً أنه التقى الإيرانيين خلال عهد ترمب، ليطمئنهم بأن لا يخضعوا لتهديدات الأخير، وأن ينتظروا حتى يخرج من البيت الأبيض، ويأتي رئيس ديمقراطي يعيد الأمور إلى نصابها، أما خارج أمريكا، فكل المشاركين في إبرام الاتفاق النووي كانوا ضد انسحاب ترمب، ولا نتحدث هنا عن روسيا والصين فقط، بل حتى الحلفاء الأوروبيين، الذين ليسوا على استعداد لبدء جولات جديدة ومرهقة من المفاوضات، التي قد لا تنجح، حسب قراءاتهم للمشهد العالمي، وهذا علاوة على الجانب الاقتصادي، الذي جاء نتيجة إبرام الاتفاق، وبالتالي أصبح الرئيس ترمب حالياً في موقف لا يحسد عليه، وهذا ما سنتوسع فيه في المقال القادم!