د. أحمد الفراج
تعاقب على حكم الإمبراطورية الأمريكية خمسة وأربعون رئيسًا، آخرهم دونالد ترمب، ويتصف كل واحد من هؤلاء الرؤساء بمواصفات خاصة، وقد حرص المؤرِّخون على أن يفحصوا سيرة كل رئيس، حتى لا تبقى شاردة ولا واردة إلا وأحاطوا بها، ومهمة المؤرِّخ ليست مهمة سرديّة روتينية، بل هي تخصّص، برعت فيه أسماء يشار لها بالبنان، وتحرص وسائل الإعلام الأمريكية على استضافة أبرز المؤرِّخين، الذين يطلق على أحدهم لقب «مؤرِّخ رئاسي»، وشخصياً لا أملّ من متابعة هؤلاء، فهم يجمعون بين التمكّن الأكاديمي وموهبة السرد المُقارن، وهم غالباً باحثون كبار، لهم مؤلفات تتسم بالعمق والحيادية والمصداقية.
أجمل ما يثيرني كمتابع ومعلِّق هو مقدرة المؤرِّخين على المقارنة بين رئيس حالي وسلفه أو أسلافه، سواء من ناحية التشابه أو الاختلاف، وغني عن القول إن عشرات أو مئات الكتب تصدر عن أي رئيس، وكلما كان متميزًا، زاد عدد الكتب التي تتناول سيرته، ورغم أن المؤرِّخين يختلفون حول الكثير من الجوانب التي تتعلَّق بالرؤساء، إلا أنهم يتفقون على أن أفضل ثلاثة رؤساء عبر التاريخ الأمريكي هم الرئيس جورج واشنطن، الرئيس الأول، الذي كان بإمكانه الاستمرار بالرئاسة، إذ إن الدستور يتيح ذلك، إلا أنه سنّ سنّة الاكتفاء بفترتين رئاسيتين فقط (8 سنوات)، وهو العرف الذي التزم به من جاء بعده، حتى جاء الرئيس فرانكلين روزفلت، الذي كسر هذا التقليد، وترشح لفترة رئاسية ثالثة وفاز بها، ثم ترشح للمرة الرابعة وفاز أيضاً، ولكنه لم يهنأ بها، إذ توفي في بدايتها، وروزفلت هو أحد أفضل الرؤساء الثلاثة حسب المؤرِّخين، فله إنجازات كبرى على المستويين السياسي والاقتصادي، ورغم أنه حكم لمدة طويلة، إلا أن الشعب لم يكن يعلم أنه كان مقعداً طوال تلك المدة، إذ اتبع إستراتيجيات تخفي إعاقته، وسنواصل الحديث.