في موقع (كندا اليوم) وتحت عنوان (أخبار اليوم) الخبر التالي:
وافقت الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم (يونسكو) الجمعة على إدراج موقع بابل الأثري التاريخي لبلاد ما بين النهرين على لائحتها بعد ثلاثة عقود من الجهود التي بذلها العراق في هذا الاتجاه.
هذا (الإدراج) قد تم قبل 14 ساعة من كتابة هذه السطور، وعلى الرغم من أنه خبر مفرح بكل المقاييس، إلا أنه صادم وموجع بالنسبة لي شخصياً!.
ما أعرفه هو أن أقدم نشاط حضاري؛ أي الزراعة وتدجين الحيوانات؛ تم اكتشافه حتى الآن؛ هو في بلاد ما بين النهرين؛ حوالي 9000 سنة قبل الميلاد؛ حسب المكتشفات الأرخيولوجية (انظر فراس السواح). كما أن حضارة وادي الرافدين كانت مصدراً للإلهام الحضاري على مر التاريخ. فيقول الأرخيولوجيون أن أول كتابة «بالحروف» هي «المسمارية»؛ التي ظهرت في بابل حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، والتي نشأت الأبجدية على أساسها هي والهيروغليفية. وكانت قبل ذلك «كتابة الرسوم»؛ التي نشأت في وادي الرافدين أيضاً!. والأهم من ذلك كله هو «التوثيق» الحضاري بالكتابة، الذي دوّن تاريخ التطور الحضاري حتى يومنا هذا.
كانت أول مكتبة في تاريخ البشرية هي مكتبة «آشور بانيبال» في وادي الرافدين؛ وبالذات في مدينة كيونجيك (نينوى القديمة أو الموصل حالياً)؛ والتي دوّنت فيها «الذاكرة الحضارية بالمسمارية» لتكون مصدراً للمفاهيم والعلوم والازدهار الإنساني؛ الذي نعيشه اليوم.
وادي الرافدين جغرافياً -حسب الأرخيولوجيا- هو الشام القديمة وجزء من تركيا وكردستان والعراق؛ والذي شكّل المنبع الحضاري والإنجازات التي حققها خلال آلاف السنين، فهل يجوز أن يقف سليلو من أنشأ هذا المنبع؛ لمدّة ثلاثة عقود؛ على أبواب ما يسمى بـ«الأمم المتحدة»؛ كي يُدرج جزء منه؛ وليس كله؛ على لائحة اليونسكو؟ هذا ما شكّل لي «صدمة ووجع» لم أعرفه سابقاً!.
ولم يكن وادي الرافدين يحوي عرباً وأكراداً وأتراكاً أو غيرهم، فلم تكن تلك الشعوب واللغات قد ظهرت بعد، وكان الإنجاز الحضاري الأعظم في تاريخ الحياة على الكوكب؛ الذي نشأ في وادي الرافدين من أجل البشر عموماً، كيف يمكن إذن أن تتحكم المافيا الدولية بما يدرج أو لا يدرج ضمن لائحة؛ من المفترض أنها للبشر كلهم؟ ... أعرف أن المافيا هي المتحكمة بمؤسسة الأمم المتحدة؛ ولكن ما يعزيني؛ وما أنا واثق منه؛ بان التاريخ؛ وإعادة كتابة التاريخ مستقبلاً؛ لن «يُدرج» الأمم المتحدة ضمن الإنجازات الحضارية التي نشأت -رغم أنف المافيا- في وادي الرافدين!.
** **
- عادل العلي