حمّاد السالمي
* يُقصدُ بكلمة (وطن) في لسان العرب؛ المَنزل الذي يُقيمُ الفرد فيه، وهو محل الإنسان وموطنه، وجمعُ وطن: (أوطان). ويُقال وَطَنَ بالمكان: أي أقام فيه. وأوطن فلان أرض كذا وكذا: أي اتخذ منها مسكناً ومقاماً.
* من نعم الله على البشر كافة؛ أن جعل لهم حواضن مكانية ينتمون إليها ويعيشون فيها. فنجد أن منهم جماعات يتشاركون في قواسم مشتركة كالعرق واللغة وغيرها، يجمعهم وطن واحد. هذا الوطن؛ هو الهواء الذي يتنفسونه. هو تاريخهم وحضارتهم الغابرة، وطن واحد يشكل لكل فرد منهم؛ ما فوق الأرض وما تحتها، وهو الإنسان الذي يعيش جنباً إلى جنب مع أخيه الإنسان مهما اختلفت الأفكار والعقائد.
* الصلة الروحية الوثيقة التي ربطت بين الإنسان ووطنه منذ الأزل؛ أفرزت الكثير من التعريفات للوطن. إن أبرز هذه التعريفات في وجدانيات الوطنيين الأحرار؛ هو التعريف الوجداني الذي يميل إلى العاطفة أكثر من العقلانية، كما تتخلله بعض الخصائص التي ترتكز بشكل رئيسي على الحب وما يتضمنه من أشكال مثل: الاحترام، والانتماء، والفخر السياسي والاجتماعي، وقد يكون على شكل قصائدَ تتغنى بالوطن وبالدفاع عن الحرية فيه، أو على شكل شعورٍ بالحماسةِ عند سماع الأغاني الوطنية. وفوق هذا وذاك؛ يظل الحب الكبير الذي يملأ قلوب المحبين لأوطانهم. ذلك أن حب الوطن هو غريزة، والدفاع عنه فريضة دينية وأخلاقية. من يدافع عن وطنه هو في الحقيقة يدافع عن ذاته. عن دينه وعقله وذاكرته وتاريخه وهويته بين أمم الأرض قاطبة. عن آبائه وأجداده. عن أمجادهم وتضحياتهم ومساهماتهم في تاريخ البشرية. عن حياته ومجتمعه الذي تربى فيه فشاطره أفراحه وأتراحه. هذه أسباب كلها تستحق الدفاع عنها وتقديم ما هو غالٍ ونفيس من أجلها. قال الشيخ الغزالي -رحمه الله-: (إنَّ حب الوطن غريزةٌ متجذرة في النفوس البشريّة، وتجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويثور له إذا انتقص).
* إن حبك لوطنك لا ينحصر في مشاعر تبديها، ولا يتوقف عند أحاسيس تظهرها. بل هو حب فوق كل حب، فهو يتعدى الأحاسيس والمشاعر؛ إلى الصدق بالقول والعمل. تنعم بالعيش في وطنك؛ فتدرك يقينًا هذه النعمة، وتعرف قيمتها، فتحافظ عليها لتدوم. ولكي تدوم وتبقى لك ولأبنائك وأحفادك من بعدك؛ يلزمك الولاء الكامل لقيادتك ولوطنك. كامل الولاء. وأن تعمل في مجالك بكل قدرة وإخلاص، لبنائه وبقائه ورفعة شأنه. وأن تأخذ بقوانين الحياة في وطنك، وتحترم النظام العام. وأن تحرص على التسامح مع كافة شرائح مجتمعك لكي يعُم الأمنُ والسلام.
* وطننا العظيم.. المملكة العربية السعودية؛ وطن الأمن والسلام والعزة والفخر. وطن كبير.. لا يماري في هذا أحد من ما كان، ولهذا نرى ونشهد كيف يكثر حُسّاده، ويتداعى حُقّاده، وتوجه إليه سهام الغدر والخيانة من القريب قبل الغريب. لم أجد سعوديًا في وطني إلا وقلبه عامر بحب وطنه، ويتلمس كل وسيلة للدفاع عنه وحمايته بكل ما أوتي من قوة. شكرًا أيها الوطنيون الخُلّص الأحرار، الذين عاشوا وولدوا في حاضنة وطنية رؤوم منذ عهد المؤسس والموحد (الملك عبد العزيز آل سعود) -طيب الله ثراه-. حاضنة وطنية اسمها (المملكة العربية السعودية)، فظلوا وما زالوا على حب وطنهم، والعمل على رقيه ورفعته، دون تدنيس أو (توثين). الوطن ليس (وثنًا) كما قال بذلك وأراد أعداؤه ذات يوم. ها هم (المُوثّنون) لوطنهم على مذهب (الإخوان المفسدين وتابعيهم من الصحاينة)؛ يتساقطون في أحضان أعدائه من عرب وعجم كل يوم. وها هو الوطن بعزته وكرامته وحب أبنائه؛ يسمو ويرتفع كل يوم.
* كي تحمي وطنك؛ وجب عليك الحذر من تدليس المدلسين، وتشكيك المشككين. إن نواياهم مكشوفة، ووسائلهم معروفة. إنهم يجعلون من الدين شعارًا لفجورهم، وستارًا لمروقهم. بلادنا تتعرض لهجمات شرسة من جهات خارجية، ومن عملاء خونة تنكروا لوطنهم، وباعوا ضمائرهم. في وسع كل مواطن حر شريف؛ أخذ الحيطة والحذر مما يبث وينشر عبر القنوات الفضائية ووسائط التواصل المختلفة. هذا هو خط الدفاع الأول لحماية الوطن. (وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه). الهجمات على بلادنا؛ ليست فقط عسكرية بآلات إيرانية وأموال قطرية وأيدٍّ حوثية وخلافها. هناك ما هو أخطر وأشرس. هناك حرب نفسية إعلامية، يجيدها أعداؤنا، ويقع في شباكها بعض البسطاء الذين يصدقون ما ينشر ويبث، وينساقون خلف دعايات وادعاءات باطلة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
* أن تحمي وطنك؛ يجب أن تنخرط بالكلية في عملية التغيير والتطوير الجبارة، التي ترتكز على أسس اقتصادية وثقافية واجتماعية في (رؤية السعودية 2030). أن تكون لك رؤية في الرؤية، وأن تسهم في هذا الحراك غير المسبوق في المنطقة. أن تدرك جيدًا؛ أن كل المدندنين على فعاليات ثقافية وفنية هنا وهناك؛ إنما همّهم العودة بنا إلى المربع الأول، الذي كانت لهم فيه الوصاية على عقولنا، وتوجيه سلوكنا؛ بما يحقق لهم حلم الأممية، وخرافة الخلافة العثمانية. ما أنبل الشاعر (أحمد سالم باعطب)، وما أصدق شعره:
الناسُ حُسَّادُ المكانَ العالي
يرمونه بدسائسِ الأعمالِ
ولأنْتَ يا وطني العظيم منارةٌ
في راحتيْكَ حضارةُ الأجيالِ
لا ينْتمي لَكَ من يَخونُ ولاءَه
إنَّ الولاءَ شهادةُ الأبطالِ
يا قِبْلةَ التاريخِ يا بلَدَ الهُدى
أقسمتُ أنَّك مضرَبُ الأمثال