ياسر صالح البهيجان
استطاع الخميني كسب تأييد الشارع الإيراني عام 1979م باعتماده على مرتكزين رئيسيين الأول مناهضة الإمبريالية الغربية بوصفها أداة تروم السيطرة على نظام الحكم في طهران، والثاني التأسيس لدولة إماميّة شيعيّة تحقق مفهوم التقوى وفق ما كان عليه آل البيت الأطهار - على حد زعمه-. وسبق عودة الخميني إلى بلده حملات تشويه للشاه بوصفه تابعًا للغرب ولعبة بيد الساسة المستعمرين، وتعظيم أثر الانفتاح وما تسبب به من انحلال أخلاقي، لتكون تلك بمثابة الأرضية التي احتضنت فيما بعد الثورة الخمينية (المزعومة)، وأنشئ بناءً عليها الحرس الثوري الإيراني لحماية تلك الثورة في ظل خشية الخميني من انقلاب القوات المسلحة الوطنية عليه وعدم يقينه من ولاءات قادة الألوية التي عاشت لعقود تحت حكم الشاه. وبذلك مثّل الحرس الثوري جيشًا موازيًا لا يقل في العدد والعتاد عن الجيش الوطني في إيران.
في السنوات القليلة التي أعقبت تأسيس الحرس الثوري الإيراني كان دوره الفاعل والرئيس يتمحور حول قمع التظاهرات في الداخل، كانتفاضات الأكراد. ومع اندلاع حرب الثماني سنوات مع العراق، بدأ الحرس الثوري بالتوسع في إنشاء قوات بحرية وجوية وبرية تابعة له وتولى معها مهام جديدة تتمثل في المشاركة على الحدود إلى جانب الجيش الوطني. وبعد هلاك الخميني وخشية خلفه خامنئي من حدوث انتكاسة في الثورة عقب سقوطه، قرر منح الحرس الثوري صلاحيات أكبر وتخصيص معظم ميزانية الدولة النفطية لقيادته، والعمل على التوسع في احتلال عدد من العواصم العربية لتوفير موارد مالية تفي بمتطلبات الحرس المتضخم الذي بدأ يؤسس الفيالق المتعددة ومنها «فيلق القدس» الذي يقوده الإرهابي قاسم سليماني، إلى جانب ضمه لعناصر «الباسيج» والتي تعرف بقوات التعبئة الشعبية.
التحوّل الهائل في نشاط الحرس الثوري الإيراني بتوجيهات من الولي الفقيه، حضرت بعد اندلاع «الثورة الخضراء» عام 2009م، إذ إن الجيل الجديد لم تعد تغريه شعارات الإمامية والانتصارات باسم التشيّع وآل البيت، وبدأ بالمطالبة بتغيير مسمى الدولة إلى «الجمهورية الإيرانية» وإلغاء مفردة الإسلاميّة منها. ولاحتواء تلك الانتفاضة العارمة قرر الحرس الثوري ركوب الموجة واعتبار الحراك الشعبي فرصة للعودة إلى الجذور الفارسية القومية في البلاد التي يشكل من هم أقل من 40 عامًا ما نسبته 70 بالمائة من إجمالي السكّان. كان عام 2009م فاصلاً بحق نحو الإفصاح عن رغبة النظام الإيراني في استعادة الإمبراطورية الفارسية كقوة قومية استعمارية وليس باسم التشيّع كما كان يدّعي طيلة العقود الماضية. ومن هنا اختلفت وسائل الدعاية الشعبيّة، وتحولت باتجاه تغذية العصبية للعرق الفارسي في نموذج يشابه التعصب لدى العرق الآري إبّان تولي هتلر لألمانيا النازية، وهو ما أشار إليه صراحة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إحدى مقابلاته التلفزيونية والتي أكد فيها أن طموح خامنئي التوسعي لا يقل إطلاقًا عن الهدف الذي سعى هتلر إلى تحقيقه بغزوه للعديد من البلدان المجاورة.
ولتحقيق الغاية القوميّة الفارسيّة، أخذت الأذرع الإعلامية في الحرس الثوري الإيراني منحى آخر في تقديم روايات جديدة للمعارك التي خاضها الجيش في الماضي. مؤخرًا افتتح الحرس متحفًا في طهران يروي قصة الحرب العراقية الإيرانية بوصفها نصرًا للقومية الفارسية، وكان في السابق يحكي ذات القصة على أنها ملحمة بطولية تحاكي شخصيات دينية كالإمام الحسين، وفي أحد أجنحة المتحف نُصبت خريطة ضخمة للإمبراطورية الفارسية القديمة، في وقت خلا فيه من لوحات من يسمون بالشهداء، واستبدلت بسرد على إنجازات القومية الفارسية ومفاخرها، ما يكشف بأن المسألة برمتها دعاية إعلامية ونوع من التسويق لهوية جديدة بعد أن أدرك الحرس الثوري بأن هويته السابقة لم تعد قادرة على إقناع الشارع الإيراني.
فهم طريقة تفكير الولي الفقيه وقادة الحرس الثوري في طهران من شأنه أن يزيل الغشاوة عن بعض العرب الشيعة الذين لا يزالون يعتقدون بأن إيران تمثل مرجعيّة للمذهب الشيعي. والحقّ أنهم قوميون فرس تغذوا على ما جاء به كتاب «الشاهنامة» من عصبية وبغض للعرب، ولعل في الوقت متسع ليعودوا إلى رشدهم ويدركوا بأن أوطانهم هي الأجدر بالولاء والانتماء من أي بلد آخر.