محمد سليمان العنقري
الانفتاح الاقتصادي العالمي الذي تطور خلال العقود الثلاثة الأخيرة لا يبدو أنه عزز الشراكات الدولية كما يجب، بل فتح المجال للنزاعات التجارية واللجوء إلى سياسات أشبه بالحروب، لكنها ضمن السياق الاقتصادي، كخفض سعر العملة، وأيضًا الانجراف نحو الحمائية التجارية. ورغم أن حجم التجارة الدولية تضاعف خلال هذه العقود الثلاثة؛ ليتجاوز حجمها 20 تريليون دولار أمريكي، إلا أن تنافسية القوى العظمى أخذت منحى المصالح الضيقة جدًّا، بل عدم الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنظم علاقة الدول ببعضها تجاريًّا.
فما يجري من حرب طاحنة بفرض الرسوم بين الصين وأمريكا تعدت أضرارها الدولتين؛ ليصاب الاقتصاد العالمي بالضرر بتباطؤ النمو. ومن جهة ثانية تتوعد الهند أمريكا برد على قرار الأخيرة إلغاء سياسة تدعم واردات الهند للسوق الأمريكي، بينما في سياق آخر تتهم أمريكا دولاً عديدة بخفض عملاتها لزيادة تنافسيتها بالتصدير، كمنطقة اليورو، وكذلك الصين. ولعل ما يتوقع أن يتخذه الفيدرالي الأمريكي من قرار هذا العام بالعودة لخفض أسعار الفائدة أحد دوافعه إعادة تنافسية الصادرات الأمريكية مع الصين والاتحاد الأوروبي.
فمن الواضح أن دولاً عديدة لم تعد تحترم اتفاقياتها الثنائية مع الدول أو التي التزمت بها عند انضمامها لمنظمة التجارة العالمية؛ وذلك بسبب النزعة الدولية نحو الحمائية التجارية التي بدأت تزداد بعد نشوب الأزمة المالية العالمية عام 2008م؛ فبات مبدأ المعاملة بالمثل مبررًا للدول التي تلتزم باتفاقياتها، ولكنها تواجَه بتجاوزات من دول يفترض أنها شريك تجاري لها، لكنها لا تلتزم بما ارتبطت به من اتفاقيات مع شركائها من الدول؛ فيبدو أن بعض الدول باتت تخضع اتفاقياتها لمزاجها الخاص وفق نظرة سياسية داخلية ضيقة لأهداف انتخابية في غالب الأحيان؛ فما يحدث في العالم اليوم ينذر بخطر كبير على الاقتصاد العالمي وحرية التجارة الدولية.
الاشتباك القائم بين العديد من دول العالم من حرب تجارية، وكذلك عملات، يؤدي في نهاية المطاف لخسارة الجميع، ولن يستفيد منه أحد؛ لأنه حمى ستنتشر، وستكون مدمرة للاقتصاد العالمي، وتكلفة معالجة آثارها ستكون باهظة جدًّا، وقد تتحول لنزاعات عسكرية شبيهة بما حدث بالحربين العالميتين الأولى والثانية من حيث رقعتها الواسعة، لكن حجم الدمار سيكون أكبر بكثير نظرًا للتطور الهائل بالأسلحة وقدراتها التدميرية، ولن يكون العالم بعدها كما كان قبلها.. فهل ستتحرك المنظمات الدولية والعقلاء في الدول الكبرى لنزع فتيل هذه الأزمات وفض الاشتباك أم أن الوقت قد فات ولا يوجد أمامهم إلا طريق المواجهة حتى لو تحولت لحروب عسكرية طاحنة؟