«الجزيرة» - محمد العمار:
خفضت وكالة التصنيف المالي «فيتش» يوم أمس درجة الدين الائتماني لتركيا مع نظرة مستقبلية سلبية، بعد إقالة حاكم المصرف المركزي التركي. وقالت الوكالة في بيان لها إن خفض درجة الدين الائتماني لتركيا إلى «BB-» يعود إلى أجواء من تراجع استقلال المؤسسات، وكذلك مصداقية وتماسك السياسة الاقتصادية. وأضافت الوكالة إن إقالة حاكم البنك المركزي مراد تشيتين كايا تكشف الشكوك في قدرة السلطات على القبول بفترة طويلة من النمو الضئيل الذي تعتبره «فيتش» متناسباً مع استقرار الاقتصاد.
وقالت «فيتش» إن إقالة حاكم المصرف المركزي بمرسوم رئاسي في السادس من يوليو «يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الثقة الداخلية الضعيفة أساساً، وأن يعرض للخطر تدفق رؤوس الأموال الأجنبية اللازمة لتركيا لتمويلاتها الخارجية». ورأت أن هذا القرار «سيعزز الشكوك في آفاق إدارة المالية العامة والإصلاحات الهيكلية».
وأشارت الوكالة أيضاً إلى أن تركيا يمكن أن تعاني من عقوبات اقتصادية بعد تسلمها منظومة الصواريخ الروسية «إس- 400». وأضافت «نعتقد أن هذه العقوبات المهمة نسبياً سيكون لها تأثير ضئيل على الاقتصاد لكن تأثيرها على المعنويات (الجهات الاقتصادية الفاعلة) يمكن أن يكون كبيراً».
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي محمد بن سليمان العنقري: أن هذا التصنيف يعد درجة دون الوسط وبمخاطر مضاربية عالية ويثير الشكوك حول مستقبل الاقتصاد التركي خصوصاً الجدارة الائتمانية فيه والقدرة على الالتزامات للديون، ولعل السبب الرئيس في إصدار هذا التصنيف هو قرار إقالة حاكم البنك المركزي التركي بقرار رئاسي مما يدل على التدخل المباشر بالسياسة النقدية، ويعني أن هناك مشاكل كبيرة في معالجة الملف الاقتصادي خصوصاً أن الناتج الصناعي بتركيا يسجل تراجعاً منذ تسعة شهور أي أن العديد من الشركات ستواجه تعثراً بسداد التزاماتها وأن السياسة المالية والنقدية لتركيا باتت عبئاً وليس دعماً للاقتصاد نتيجة الإدارة غير الواضحة للملف والتدخلات من قبل الرئاسة بإدارة هذه السياسات مما يجعلها تسير وفق أجندة سياسية ضيقة وليس وفق نهج يعترف بالأزمة ويضع الخطط الواضحة لاستيعابها والخروج منها. وأضاف العنقري: العلاقات السياسية المتوترة لتركيا مع أوروبا وحلف الناتو وأميركا بخلاف دول شرق أوسطية تضع حكومة تركيا أيضاً في مأزق كبير للخروج من الأزمة الاقتصادية كون التعاون التجاري واستقطاب السياح يتأثر بهذه السياسة التي لا يعرف لها نهاية أو وضوح فتركيا دولة تعتمد على السياحة والصادرات واستقطاب الاستثمار من الخارج في تعزيز اقتصادها ومع التراجع بهما سيكون من الصعب الخروج لبر الأمان اقتصادياً بوقت قريب لذلك سارعت وكالة «فيتش» لإعادة تصنيف تركيا بدرجة تنم عن مخاطر عالية والأكثر خطورة هو النظرة السلبية المستقبلية للاقتصاد مما يعني هروب الاستثمارات من تركيا وعزوف من المستثمرين بالخارج عن الدخول للسوق التركية حتى تتضح الصورة حول مستقبل اقتصاد تركيا وأين ستقف هذه الأزمة التي تتفاقم معها مشكلة البطالة التي ارتفعت كثيراً خلال العام الأخير لتصل بنهاية العام الماضي إلى 12.7 % بينما تجاوزت حالياً 14.5 % مع استمرار ارتفاع التضخم وهبوط سعر صرف الليرة التركية الذي يصل حالياً إلى 5.72 ليرة مقابل كل دولار أمريكي وكان ببداية العام الماضي 2018م عند أقل من 3.25 ليرة لكل دولار، أي أنها انخفضت بأكثر من 65 % خلال عام ونصف العام وهو تراجع حاد وبفترة قصيرة مما يدل على المصاعب التي يعانيها الاقتصاد التركي ومستقبله غير الواضح خصوصاً خلال الشهور القليلة المقبلة مع الأخذ بعين الاعتبار خسارة الحزب الحاكم لانتخابات بلدية اسطنبول وهو مؤشر سلب، وتعبير واضح عن رأي عدم رضا الناخب التركي في العاصمة الاقتصادية لتركيا بالسياسات والحالة الاقتصادية لتركيا وطريقة إدارة هذا الملف.
من جهته، أكد المحلل الاقتصادي والمصرفي فضل بن سعد البوعينين أن استمرار خفض التصنيف الائتماني لتركيا كان متوقعاً عطفاً على الأوضاع الاقتصادية وآلية تعامل الحكومة معها، إضافة إلى التدخلات المتكررة في عمل البنك المركزي وآخرها إقالة رئيسه السابق من قبل أردوغان، وهذا يعزز فكرة عدم استدلالي البنك المركز وعدم فصل الصلاحيات والخلط بين السياسة والاقتصاد، إضافة إلى عدم جدية الإصلاحات الاقتصادية وضعف الإدارة المالية التي انعكست سلباً على الليرة التركية والاقتصاد بشكل عام. وقال البوعينين: المعروف أن تضخم الديون التركية بالعملات الأجنبية من الأسباب الرئيسة لتضرر المالية العامة والاقتصاد الذي يعاني من تضخم وانخفاض للعملة، إضافة إلى المشكلات الأخرى ومنها البطالة وخروج شركات كبرى من الاقتصاد، ويأتي خفض وكالة التصنيف المالي «فيتش» درجة الدين الائتماني لتركيا ليزيد من مشكلة الاقتصاد التركي وتضرر المؤسسات المالية التي ستجد مشكلة في التمويل والتسعي ومشكلة أكبر في الوفاء بالتزاماتها الحالية، إضافة إلى توقف التدفقات الاستثمارية الأجنبية، وهناك من يعتقد بقرب فرض عقوبات اقتصادية على تركيا بسبب أزمة الصواريخ الروسية وهو أن حدث فسيدق المسمار الأخير في نعش الاقتصاد التركي. وأضاف البوعينين: تعتبر الثقة من أهم معززات القطاع المالي والاقتصاد بشكل عام واهتزاز الثقة بالرئيس أردوغان وتعامله مع مكونات الاقتصاد والبنك المركزي وتوتيره العلاقات السياسية مع الشركاء الاقتصاديين لتزيد من أعباء الاقتصاد وتتسبب في خفض التصنيف الائتماني وتقييم الديون، كما أن لاختلال السياسة الاقتصادية دور مهم في تحديد الرؤية المستقبلية التي يعمل وفقها المستثمرون الاستراتيجيون والاقتصاديون بشكل عام؛ وطالما أن هذه الرؤية يشوبها القلق وتنقصها الثقة فمن الطبيعي التعامل بسلبية تامة مع التقارير الاقتصادية، ومنها التصنيفات الائتمانية، وبشكل عام؛ تسبب أردوغان بضرر كبير للاقتصاد؛ مع إصراره على المضي في الطريق الخطأ الذي يقود الاقتصاد للانهيار التام؛ وأحسب أن قطاع المال والأعمال التركي قد أدرك متأخراً خطورة الوضع وبدأ بالفعل في محاولات التغير، حيث إن نتائج انتخابات إسطنبول أثبتت بدء عقاب الناخبين لحزب أردوغان وربما تكون انتخابات الرئاسة القادمة الفاصلة في تاريخ أردوغان ومشكلات الاقتصاد التركي.