محمد آل الشيخ
هناك كثير من الأعراف المرعية في مجتمعنا تنطلق من العادات والتقاليد وليس منطلقاً شرعياً، غير أن هناك كثيرين، ومعهم بعض الوعاظ، يُسبغ على هذه العادات والتقاليد ثوباً مزوراً دينياً، فيصبح مع الزمن والممارسة والتراكمات وكأنها ممارسة شرعية. وفي بلادنا للأسف الشديد كثير من هذه الممارسات والتقاليد أسبغ عليها بعض غلاة المتشددين وكذلك المحافظين اجتماعياً ثوباً من أثواب التقديس، رغم أنها لا علاقة لها بالدين والشريعة إلا في جوانب محددة، إضافة إلى أنها محل خلاف بين الفقهاء والمذاهب، ولا يملك أولئك الغلاة دليلاً أو نصاً شرعياً قطعياً على ما يقولون، اللهم إلا وسيلتهم التي غالوا في تطبيقها (سد باب الذرائع).
أشهر هذه التقاليد التي جرى إقحامها في الحلال والحرام مسألة الولاية الذكورية على المرأة، والذي أعلن من مصادر موثوقة أن الدولة بصدد إعادة تنظيمها تنظيماً يجعل الفصل فيها لسلطة القضاء. التنظيم الجديد الذي ننتظر صدوره يعطي الفرد ذكراً كان أم أنثى حق الولاية على نفسه متى ما بلغ سن الرشد الذي حدده النظام بثمانية عشر عاماً، وإذا رأى وليها قبل أن تصل لهذا السن أنها ليست كفؤاً لتحمل مسؤولية الولاية على نفسها فإن الفصل في هذه القضية يرجع للقاضي حصراً، الذي يتحقق من الأسباب والمبررات، ويقضي بما يراه أقرب إلى الصواب.
في تقديري أن هذه المعالجة لهذه القضية بالشكل الذي تحدثت عنه التسريبات كان تصرفاً غاية في الذكاء، ويخرج الدولة من المسؤولية، ويجعل قضية ولاية المرأة على نفسها بعد وصولها إلى سن الرشد في يدها، فإذا كان ثمة مبررات وأسباب تستدعي إبقاء وصاية الرجل على المرأة بعد بلوغها سن الرشد، فالأمر موكول للقضاء، الذي يستعرض الأسباب فإذا كانت وجيهة فإنه (يقضي) باستمرار ولاية الرجل على المرأة، فإذا وجدها مبررات متعسفة رد القضية. لكن المشكلة هنا أن بعض القضاة قد يكونون متعسفين، ويصدرون أحكام استمرار الولاية للرجل على كل من طلبها دون أن يسمع رأي المرأة، ويسمع وجهة نظرها في قبول أو عدم قبول سحب حقها على الولاية على نفسها وإيكالها للولي الذكر، فتصدر الأحكام بمجرد أن يطلبها الرجل الولي دون أن يكون هناك سبب لسحبها.
لكل ذلك فإنني أرى أن يتضمن النظام الجديد الذي نحن في انتظار صدوره إلزام القاضي بسماع رأي المرأة، والتحقق بنفسه من أن هناك ما يستدعي أسباب وجيهة تؤيد طلب الولي، وإلا فإن الأصل أن المرأة إذا بلغت سن الرشد -(18 عاماً)- فلها كامل الحق أن تكون مسؤولة عن نفسها.
وبصدور هذا القرار فإننا نتجه فعلاً إلى أن نكون دولة طبيعية في هذه الحقوق، فقد كان إيكال ولاية الذكر على المرأة ممارسة تعسفية في أغلب الأحوال، ومحل انتقاد من جهات حقوقية في الخارج، إضافة إلى أنها ممارسة لا يسندها الشرع الشريف، بقدر ما تسندها قرارات وعادات، تتناقض مع طبيعة الدولة المدنية.
إلى اللقاء،،،