ياسر صالح البهيجان
يتنامى القلق داخل الشارع التركي في ظل تحركات الرئيس أردوغان المنافية للديمقراطية والمكممة لحريّة التعبير، منها إغلاق الحكومة أكثر من 220 ألف موقع إلكتروني ينتقد سياسة أردوغان، وتبنيها سياسة الاعتقالات الموسعة التي طالت آلاف المواطنين والصحفيين وكتّاب الرأي لمجرد أنهم أفصحوا عن وجهات نظر لم ترُق للرئيس، رغم أن الدستور يكفل لهم حقّ الانتقاد وإبداء الآراء تحقيقًا للمبادئ الديمقراطية.
ما يقترفه الرئيس التركي من سلوكيّات تخالف الأعراف والقوانين التركيّة انعكس بوضوح على شعبية حزب العدالة والتنمية الذي خسر مؤخرًا رئاسة بلديّة إسطنبول أمام حزب الشعب الجمهوري بفارق 800 ألف صوت. أهمية إسطنبول لا تقف عند حد كونها مسقط رأس الرئيس أردوغان، وإنما تمتد لتلعب دورًا أكبر في الاقتصاد التركي باستحواذها على ثلث الناتج المحلي الإجمالي في البلاد. والمقولة الأكثر شهرة في داخل تركيا تقول «من يخسر إسطنبول يخسر تركيا».
ولم تكن إدارة أردوغان بمعزل عن تهم الفساد، فمنذ أن تقلَّد إكريم إيموغلو التابع لحزب الشعب الجمهوري منصب رئيس بلدية إسطنبول بدأ بفتح الملفات المغلقة، وأول ما أعلن عنه هو تلقي المؤسسات الخيرية المقرَّبة من الرئيس التركي وعائلته أموالاً من خزينة البلدية تبلغ (145 مليون دولار)، من أبرزها مؤسسة الشباب التركي الذي يمتلك فيها بلال نجل أردوغان عضوية بمجلسها الاستشاري الأعلى. ولم تكن هذه هي تهمة الفساد الأولى الذي يكون فيها بلال طرفًا، إذ سبق أن اتهم بالتورط في فساد واسع النطاق عام 2013، قبل أن يتوقف التحقيق بتحوير القضية ومعاقبة المدعين والقضاة تحت ذريعة انتمائهم لحركة غولن.
المؤشرات واستطلاعات الرأي في الداخل التركي وخارجه تؤكّد أن شعبية أردوغان تتراجع بشكل ملحوظ، في وقت تتزايد فيه قوّة حزب الشعب الجمهوري (الحزب الأقدم في تركيا بتوجهاته اليساريّة)، ما يعني أن سقوط حزب العدالة والتنمية بات وشيكًا، وخصوصًا أن عددًا من أعضائه أبدوا رغبتهم في تأسيس أحزاب جديدة والانشقاق عن الحزب الحاكم لعدم رضاهم عن سياسة أردوغان. ولا شك في أن الورقة الأكثر قدرة على إسراع موجة التغيير في نظام الحكم التركي تتمثَّل في إمكانية توحيد صف الأحزاب المعارِضة، وحدوث اندماجات فيما بينها يسفر عن الاتفاق على مرشح يمثِّلهم ويحظى بتأييد الجميع، وهذه الخطوة مهمة للغاية إن أراد الأتراك استعادة ديمقراطيتهم المسلوبة.