د. فوزية البكر
نعيش اليوم حقبة الحديث الذي لا يتوقف خاصة في وسائل الإعلام الجديد حول ثقافة التعايش وقبول الآخر وتتبنى المملكة العربية السعودية عددا كبيرا من المراكز التي تدعو لذلك مثل مركز الملك عبدالله للحوار بين الثقافات في فينا ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عدا المشاريع المستمرة مثل مشروع سلام الذي يتبناه مركز الملك عبدالعزيز، وهكذا مع ما يموج به العالم من تخبطات وتحزبات عرقية ودينية وسياسية تؤدي في الغالب الأعم إلى صراعات كان يمكن للعالم أن يكون في غنى عنها بقليل من الفهم وإتاحة الفرصة للاستماع للآخر، وربما حتى الاستمتاع بفكرة الاختلافات فنحن نقطع المسافات وندفع ونسافر من أجل أن نرى شيئا جديدا لكن لماذا تتوقف محاولتنا على المادية من الأشياء وليس على الثقافات وتنوعاتها الرائعة؟
من هنا جاءت أهمية دور المؤسسة التربوية التي يقضي تلاميذنا فيها جل يومهم بما يجعل هذه المؤسسات فاعلا حقيقيا في إعادة توجيه وعيهم إلى وجود ثقافات ومجتمعات أخرى وأساليب متعددة للتفكير والحياة ومحاولة تكييفهم كجيل جديد من أجل أن يخرجوا للعالم وهم (إلى حد ما) أميل إلى الخلو من التحيز والتحامل على الآخر دون أن يؤثر ذلك في عقيدتهم أو في اعتزازهم بثقافتهم.
ومن ضمن الأعمال التي تقوم بها المملكة في هذا الصدد ما قام به مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بتوقيع مذكرة تفاهم مع أحد مستشاري الأمم المتحدة وتضمنت دعم القيادات الدينية في أنحاء العالم لفكرة التعايش والسلام في العالم ومكافحة العنف والكراهية بل وتجريمها وتحفيز الشعوب على التعايش والتفاهم مع بعضها البعض بالتركيز على الأبعاد الإنسانية في التواصل والتفاعل والإيجابي.
ويمكن تعريف مصطلح التعايش كما عرفته الباحثة منى العويشز في دراستها حول دور المدرسة الثانوية في تعزيز قيم التعايش بين الطالبات في مدينة الرياض بأنه: القدرة على العيش المشترك بين الأفراد والجماعات على اختلاف أجناسهم وأشكالهم وعقائدهم وأعراقهم بشكل إيجابي وفاعل مع قبول كل طرف للطرف الآخر واحترام ثقافته وفكره.
ووجدت الباحثة في دراستها أن المدارس أكدت على جانب التعايش من حيث المفهوم الرسمي المعرفي لكنها لم تقدم للطالبات أية تجارب للتعرف على الثقافات الأخرى أو على تقاليد الشعوب، كما لم تكن الاختلافات وطرق معيشتها وقبولها في الثقافات الأخرى من الأمور الهامة في أذهان المعلمات أو الطالبات. وهذا يعني ان التعليم وفي ظل رؤيتنا المستقبلية الجديدة يجب أن يتغير من شكله التقليدي المغلق إلى شكل يتوافق مع متغيرات العصر ليفتح أبوابه وأذهان طلابه لكافة متغيرات العصر بثقافاته ومعتقداته وممارساته الثقافية والاجتماعية التي إن لم نستفد منها فليس علينا استعداءها أو الانتقاص منها.
وقد أوصت الباحثة بضرورة تعريف المعلمات والطالبات بالثقافات الأخرى من خلال برامج ومناهج محددة وجديدة كما أوصت بضرورة تدريب المعلمات والطالبات على آليات التعامل مع المختلف الديني والعرقي والمذهبي والطبقي وتوجيه الأنشطة المدرسية للخروج من عباءتها التقليدية البالية الى جعلها وسيلة تساعد الطلاب على فهم الثقافات والمجتمعات الأخرى واكتشاف ما فيها من تنوعات والاستمتاع بهذه التنوعات بما يساهم في نشر ثقافة القبول والتعايش للآخر المختلف فتقل النزاعات وينتشر السلام في العالم.
وفي دراسة للقحطاني حول دور المعلم في نشر ثقافة السلام واعتمدت على استبانات وزعت على المعلمين والطلاب وأظهرت النتائج تباينا واضحا في وجهات نظر المعلمين والطلاب، إذ رأى الطلاب ضعف الدور التربوي الذي يقوم به المعلم لنشر ثقافة السلام فى حين أكد المعلمون بما لايقبل الشك أنهم يقومون بدورهم في ذلك على أكمل وجه!
الغريب ان كلمة التعارف والتعايش ليست جديدة على تراثنا بل هي ذكرت في القرآن (سورة الحجرات آية 13) قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}. وذكر ابن كثير (في العويشز، 2019):
أن الله يخبر أنه خلق بني آدم من أصل واحد وجنس واحد وكلهم من ذكر وأنثى وجميعهم يرجعون إلى آدم وحواء ولكن الله بعث منهم رجالا كثيرا ونساء وفرقهم وجعلهم شعوبا وقبائل لأجل أن يتعارفوا فإنه لو استقل كل بنفسه لما حصل التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون.
أحب أن أذكر هنا أن الدعوة إلى ثقافة التعايش لا تعني تقبل أذى الآخرين أو سطوتهم أو إجبارنا على اعتناق أفكارهم غيرراغبين، ولكنه يعني أن نعيش وندع الآخرين يعيشون في سلام، فهل سنتمكن فعلاً من ذلك في شرقنا المضطرب؟