ياسر صالح البهيجان
منذ أن أقرّ مجلس الوزراء السماح للأنشطة التجارية بالعمل لمدة (24) ساعة بمقابل مالي يحدده وزير الشئون البلدية والقروية، وشبكات التواصل الاجتماعي تعجّ بالنقاشات حول النتائج المحتملة من تنفيذ القرار على المجتمع. لاحظت وجود خلط واضح لدى البعض بين مصطلحين بينهما بون شاسع وهما «السماح»، و»الإلزام». ما نصّ عليه القرار هو السماح دون أن يُلزم أيّ منشأة على أن تمارس نشاطها طوال ساعات اليوم، وفي المقابل ليس ثمة إلزام لأيّ فرد على الشراء في منتصف الليل.
التنظيم الجديد جاء ليتيح خيارات أوسع أمام الباعة والمشترين بما يتماشى مع تحسين جودة الحياة في مدننا، ويعزز من مساهمة القطاعات التجارية في الاقتصاد الوطني، ويزيد من إمكانات توافر الفرص الوظيفية في ظل إلزام المنشآت على ألا تزيد ساعات عمل الموظف عن 8 ساعات يوميّة، ولا تقل إجازته الأسبوعية عن يوم واحد.
وساقت بعض الحسابات المؤثرة في شبكات التواصل الاجتماعي معلومات مغلوطة، من بينها أن قرار السماح للأنشطة التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة بدعة كونية ليست موجودة في أيّ بقعة من العالم، وهذا عارِ عن الصحّة، فالدول التي تسمح بالعمل على مدار الساعة كثيرة، من أبرزها فرنسا، وإيطاليا، والتشيك، والنرويج، وبولندا، والسويد، والدنمرك، وكرواتيا، وهونج كونج وغيرها، ومعظم ما نجده من إغلاق للمحلات في بعض الدول أو البلدان الأوروبية أو الآسيوية لا يعدو كونه تحالفًا واتفاقًا بين التجار أنفسهم وليس قانونًا صادرًا عن حكوماتهم المحلية.
هناك ما يسمى بـ»اقتصاد الحياة الليلة»، وهو اقتصاد يسعى إلى الاستفادة من الفرص الاقتصاديّة الخاملة خلال ساعات الليل، في ظل تأكيد دراسات متعددة على أن تلك المدة التي عادة ما تتراوح ما بين الساعة 10 مساءً و6 صباحًا من شأنها أن تُحدث نقلة نوعية في حجم الإيرادات المالية والفرص الوظيفية، وتزيد من معدلات الإنفاق ذات الأثر الإيجابي على الاقتصاد الوطني، إلى جانب مساهمتها في إنعاش مختلف القطاعات، وتحديدًا قطاعي السياحي والترفيهي.
رؤيتنا الطموحة (2030) تسعى إلى جعل المدن السعوديّة وجهات عالمية في شتى المجالات، وليس بالإمكان تحقيق تلك التطلعات إلا من خلال إيجاد حياة ليلية نابضة بالحيوية والحركة على مدار الساعة، أسوة بمدن كنيويورك ولندن وشنقهاي.. ولا شك في أن اقتصاد الحياة الليلية ينطوي على تحديات تفرض على مؤسسات الدولة جهدًا مضاعفًا، وهو أمر بفضل الله في متناول اليد، في ظل ما تنعم به بلادنا من الأمن والاستقرار والوعي المجتمعي.
وفيما يتصل بالفضاء الاجتماعي ومدى قابلية المجتمع السعودي للقرار، فإن الحياة الليلية تُعد سمة بارزة لدى شريحة كبرى في مجتمعنا، وتحديدًا فئة الشباب الذين يمثلون ثلثي المجتمع، إذ سيشكل لهم قرار السماح بفتح المحلات التجارية على مدى 24 ساعة متنفسًا حقيقيًا، وسيجدون أمامهم خيارات متنوعة لقضاء أوقاتهم في بيئة حافلة بالمتعة بعيدًا عن خيار التجمع في الطرقات.