د. أحمد الفراج
لا يوجد رئيس أمريكي توقّف عنده المؤرِّخون طويلاً مثل الرئيس الشاب جون كينيدي، فهو الذي حقق حلم والده، الثري جوزيف كينيدي، الذي صنع ثروة طائلة، ثم حلم بأن يفوز أحد أبنائه برئاسة أمريكا، وقد بذل الوالد جوزيف كل جهد ممكن في سبيل ذلك، ويطول الحديث حول الإستراتيجيات التي استخدمها الوالد الحالم، فبعضها قد يدخل في باب المحظور، حسب روايات بعض كبار المؤرِّخين، ولم يكن أحد يتوقّع أن يهزم كينيدي السياسي العتيد، المرشح الجمهوري، ريتشارد نيكسون، الذي كان نائباً للرئيس الجنرال، ديوايت ايزنهاور، وكانت معركة الانتخابات الرئاسية لعام 1960، بين العصامي صاحب الخبرة السياسية، ريتشارد نيكسون، والشاب الثري الوسيم، جون كينيدي، وفي النهاية فاز الأخير، ودخل قلوب الأمريكيين ولا يزال.
كان كينيدي سياسياً مثيراً، سواء تعلَّق الأمر بشخصيته والكاريزما التي يتمتع بها، أو بطريقته الخطابية، أو سياساته، التي كانت تميل لصالح المهمّشين والسود تحديداً، فهو صاحب فكرة قانون المساواة بين البيض والسود، ولكنه مات قبل أن يتحقق ذلك، فأصبح هذا القانون في سجل سلفه، الرئيس ليندون جانسون، ولا شك أن ولع المؤرِّخين بكينيدي كان بسبب اغتياله، الذي لا يزال لغزاً غامضاً لا يمكن الاقتراب منه، فهناك شكوك حول الرواية الرسمية للحادثة، إذ كان كينيدي في زيارة لمدينة دالاس بولاية تكساس، وتم اغتياله أثناء سير موكبه في أحد شوارع المدينة، وبعد اعتقال القاتل، لي هاردي اوزوالد، تم قتله، وهو في قبضة الشرطة، على يد أحد زعماء المافيا! الذي كان مريضاً، ومات بعد ارتكابه الجريمة بفترة وجيزة! ونظراً لبشاعة الجريمة وملابساتها وغموضها، فقد توسع المؤرِّخون في تناول سيرته، وربما لو لم يتم اغتياله، لما دخل التاريخ وقلوب الأمريكيين بهذا الشكل الاستثنائي، ولما كتب عنه المؤرِّخون بهذا الشكل الموسَّع، ويعتقد معظم المؤرِّخين أنه لن يتم كشف لغز اغتيال كينيدي، ولا من يقف وراءه، لأن ذلك لن يكون في صالح الإمبراطورية الأمريكية، ولا في صالح نظامها المؤسساتي الديمقراطي العريق.. وسنواصل الحديث.