سليمان الجاسر الحربش
السيدة أناهيت أم من إقليم لوري في شمال أرمينيا، فقدت ابنها البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، مات وهو في الغابة يحتطب وقوداً لمنزلهم، هوت شجرة كان - يحاول اقتلاعها - على رأسه فقضى على الفور، في عام 2009 زرت منزل هذه الأم الثكلى، شدت على يدي وهي تغالب الدموع وقالت لي وهي تودعني بلغ مليكك كل الشكر والتقدير وقل له: إنني لن أقلق على أحفادي لأنهم لن يغامروا بحياتهم مثل أبيهم بحثاً عن الوقود في الغابة لقد أحضرتم الوقود النظيف إلى مطبخي. إشارة إلى ربط منزلها بمشروع شبكة الغاز الذي موله صندوق أوبك للتنمية الدولية «أوفيد».
هذه السيدة وغيرها استفادوا من مبادرة المملكة العربية السعودية «الطاقة للفقراء» التي نفذها أوفيد مع أقرانه من صناديق التنمية العربية كما وردت في الفقرة (6) من الفصل الثاني من بيان القمة الثالثة لمنظمة أوبك التي استضافتها المملكة في شهر نوفمبر 2007 في مدينة الرياض.
تداعت هذه القصة إلى ذهني وأنا أقرأ ما نقلته وكالة الأنباء السعودية من فقرات من بيان صاحب السمو الملكي ولي العهد الذي ألقاه في الجلسة الخاصة لقمة العشرين عن الطاقة والتغيير المناخي والبيئة في أوساكا 29/06/2019.
شعرت أن هذا البيان نغم يصدح في أذني كما يقول الإنجليز لأن هذه المبادرة (الطاقة للفقراء) صدرت من المملكة قبل أن ينادي بها بان كي مون تحت مسمى الطاقة للجميع بأربع سنوات، فالأولى أن تعود إلى مصدرها كأحد الأمثلة التي تجسد شعور المملكة بمسئوليتها الدولية. وموضوع الطاقة بشكل عام والطاقة للفقراء بشكل خاص على ما يبدو سوف يتصدران أعمال قمة العشرين في دورتها القادمة بالرياض العام القادم.
ويكفي لشرح مضمون تلك المبادرة قصة السيدة الأم، لكن ما يهمني وقد كنت في قلب الحدث ألا ننادي بمثل هذه المبادرات النبيلة ثم نترك الآخرين يحصدون الثناء عليها. نحن - المملكة - طرحنا المبادرة في بيان قمة أوبك الثالثة في الرياض وطلبنا من الصناديق الأخرى التي تساهم فيها بالنصيب الأكبر أن تنفذها على أرض الواقع.
من مؤسسات التنمية التي ساهمت في ترسيخ مبادرة المملكة المذكورة «صندوق أوبك للتنمية الدولية» أوفيد الذي تساهم المملكة بنسبة 35% من موارده المالية، وكان لي شرف إدارته لمدة خمسة عشر عاماً، وقد سرنا في تنفيذ المبادرة من خلال ثلاث شعب:
الأولى: الحملة الإعلامية والترويج لهدف القضاء على فقر الطاقة على أنه الهدف التاسع المفقود من أهداف الألفية الثمانية التي تصدت لكل أوجه الفقر ما عدا فقر الطاقة المتمثل بوجود أكثر من مليار إنسان بدون مورد طاقة دائم كما قال الأمير. وعقدنا أول ورشة عمل لهذا الغرض في أبوجا نيجيريا عام 2008.
الثانية: تنفيذ مشاريع على الطبيعة في بعض الدول الأفريقية لتوفير الطاقة النظيفة ودعم الابتكار وتحفيز الاستثمار من خلال طرح نماذج استثمارية جديدة New business Models.
الثالثة: التحالفات مع شركات الطاقة وخدماتها وتأسيس منصة توفير الطاقة.
Energy Access Platform EAP
وقد انضوت تحت لوائها عدة شركات كبرى مثل أرامكو السعودية، شل، توتال، شلمبرجيه، الشركة النمساوية الوطنية OMV، مؤتمر البترول العالميWPC وهدف هذه المنصة هو تبادل المعلومات والمشاركة في تنفيذ مشاريع بطرق مبتكرة وأفضل مثال على ذلك التحالف بين أوفيد وشركة أرامكو السعودية في تنفيذ مشروع غاز البترول السائل للطبخ في بعض المناطق الريفية الفقيرة في الهند، ومشروع أوفيد شل فاونديشن في الهند وأفريقيا لتوفير الكهرباء في المناطق النائية.
هذه ملاحظات أردت أن إبرازها للزملاء الأفاضل الذين يعدون العدة لقمة الرياض، وقد تشرفت بالعمل مع بعضهم في مواقع مختلفة. وأود أن أتركهم في هذه المقالة مع ثلاث ملاحظات:
1- إن المبادرة بدأت في الرياض وإذ كان للدولة المضيفة دور أكبر في الصياغة فإنني أرجو أن نعيد تأكيد هذا الدور للمملكة وأنبه إلى أن نصيب الطاقة في مشاريع أوفيد ارتفع من 18% الى 24% بعد التصدي لفقر الطاقة. ولاشك أن الصندوق السعودي للتنمية مر بهذه التجربة.
2- رغم أن بيان وزارة الطاقة الذي سبق قمة أوساكا نص على القضاء على فقر الطاقة (فقرة 12) ومع ما ورد في بيان سمو ولي العهد إلا أن المادة «37» الخاصة بالطاقة في بيان القمة أغفلت هذا النص في حين أن البند 22 في بيان قمة بيونس أيرس 2018 نص عليها بل إنه استخدم نفس اللغة التي وردت في بيان قمة أوبك الثالثة في الرياض، والنص يقول:
Eradication of Energy poverty أو اجتثاث فقر الطاقة. وقد يعود هذا الاختلاف في الصياغة إلى ما تراه الدول المضيفة من أولويات تختلف من دولة الى أخرى.
3- لقد قامت المملكة واستقطبت معها دول الأوبك بدور رائد في إخراج أهداف التنمية المستدامة SDG على النحو الذي نعرفه وكان للملكة دور لا ينكره أحد في صياغة الهدف السابع الذي أُطلق عليه الطاقة للجميع ونحن نسميه الطاقة للفقراء، لكن ما يزعجني من خلال المناقشات التي شاركت فيها طيلة الأعوام الماضية هو أن من بيده دفة السفينة في الأمم المتحدة والبنك الدولي ينظر إلى هذا الهدف السابع على أنه أحد الطرق المؤدية إلى تنفيذ اتفاق باريس للتغير المناخي رغم إن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر تضم هدفاً مستقلا لقضية المناخ وهو الهدف الثالث عشر.
وأخيراً أرجو من القارئ العزيز المهتم بإنجاح قمة الرياض مشاركاً أو مراقباً أن يعود إلى مقالتين سابقتين في هذه الجريدة (25 مارس و25 أبريل 2019) تناولت فيهما شأنين مترابطين هما التنمية المستدامة وأجندة قمة العشرين.
وللحديث بقايا.