د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
مدخل..
** هل يمكنُ أن تجيء المكانة من خارج الذات كما يصنعُ المكان الذي يختارنا أو نختاره ويبقى مجردَ موقعٍ مؤقتٍ نعبره ونتجاوزه إلى الأقلّ أو الأجلّ؟ باليقين المطلق: لا؛ فالمكانة هي الذاتُ فكيف تكون خارجَها؟! ليجيءَ الاستفهام الآخر: فلماذا يسعى الأكثرون إلى التماس ذواتهم في سواهم أو منهم أو عبرهم؟! وهل تتبدد ثقة الإنسان بنفسه حين لا يسندها موقف خارجيٌ؟ وهل هي حالة فردٍ أم سياقُ مجتمعٍ ودولةٍ وأمة؟
(2)
استفهام..
** سؤالٌ ضمن أسئلة تجريديةٍ عديدة نطرحها فلا نلقى جوابًا مباشرًا أو ثابتًا لأنها لا تتصل بحقائقَ ذاتِ مقدماتٍ ومعادلاتٍ ونتائج يمكن اختبارُها وإثباتها ونفيها وتبديلها، وهنا تقع الفاصلة بين العلم والفكر؛ فالأولُ يضيق الاختلاف حوله حدَّ التلاشي، والثاني يزدادُ حدَّ التجافي، ويؤمن العلميون بنظريةٍ ينعقد حولها شبهُ إجماع، ويتجادل الفكريون حول رؤيةٍ تبدو بدَهيةً حين لا يحتكمون إلى برمجتهم أو أدلجتهم.
** ولنعد إلى السؤال؛ فهل استطاع الفكريون أمامه، وإجابتُه لا تحتمل جدلًا، أن يُجمعوا على قيمة المكانة الذاتية لا الغيرية؟ ومن ثمَّ هل طبقوا ما علِموه، وربما علَّموه، على حضورهم الغائب في الممارسة، الضاجِّ في التنظير بما يوثق علمية التفكير أو سفسطته؟ أهكذا يحكم العقل المعتقل داخل شعاراته ومشاعره بوجود سلطة قَبْليةٍ توجهه دون إرادة العقل المنطلق الذي يحكم العِلميين؟
(3)
قراءة..
** المشكلة هنا تواري العلميين في معاملهم ولأبحاثهم وترك الميدان للفكريين فيما عدا الأطباء الذين ينافسون الفكريين على شهرتهم وتأثيرهم فيتناقضون ويتضادُّون وفي بعض استشاراتهم يخرصون، ولعل غياب العلميين خيرٌ لهم كي لا تفقد هذه العلومُ قيمتَها ولئلا يسومَها من يعرف ومن يُخرِّف فترْدَى مثلما تردّت القيم الفكرية في مطارحات الشعبويين والدهماء.
** والعلميون هنا لا يقتصرون على مختصي العلوم البحتة والتطبيقية بل يضاف إليهم مختصو العلوم النظرية القابلة للضبط الخاضعة لأسس المنهج وقواعد العلمية كبعض علوم اللغة والقانون والاقتصاد والإدارة، وحين يتضاءل اتجاه الشعبوية قليلًا سيتمكن الفكريون من مناقشة قضاياهم الأهم دون تدابر وتنافر وتسطيح.
** في كتاب صاحبكم: «فواصل في مآزق الثقافة العربية- 2011م» استقصى أربعة وخمسين مأزقًا ثقافيًا يحتاج الفكريون إلى الحوار حولها وإعادة قراءتها بمنطق عقلاني بعيدًا عن تداخل الجماهير الرقمية الكيفمائية، ومنها مآزق: «الأسئلة والأجوبة والثنائيات والعقل والاستنساخ والتفاصيل والتغيير والخرافة والتشدد والفساد والتحريم والشخوص والنصوص والإبداع والابتسار والأبوية والانفعال والوهم والإجبار والفراغ والهامش والهوية» وسواها.
(4)
ناتج..
** بلغت الشعبوية مداها وآن لها أن تنحسر قليلًا؛ لا لكي يتمايز النخبُ بأشكالهم ومواقعهم بل بمضامينهم وإيقاعاتهم، ولعل من جربوها وانسحبوا من ميادينها «الغوغائية» يُفتوننا عن الطمأنينة التي وجدوها حين آثروا الصمت وسط الصخب والتهدئة داخل الانفعالات، أو ضد ذلك إن لم يكن.
** الفكرُ يدُلُّ فاين الأدلَّاء؟