د. حمزة السالم
فميزانية الضرائب تحكي إنتاجية المجتمع، بشرط إدراك نظامه السياسي. فإدراك النظام السياسي يبين نوع الضرائب المكون لها. فإن أُدخل على ذلك، نظامها النقدي وحجمه، تبين للمتأمل الناظر نوع إنتاجية المجتمع من حيث الجودة والكفاءة، وشرح مختزل لهذا المستخلص ما يلي:
فمصدر ريع ميزانية ضرائب الدخل، فهي تدل على نظام رأسمالي. لأن ضريبة الدخل تعتبر حقا كجزء من كلفة الإنتاج للفرد في المجتمع. لذا فكلما زاد إنتاجه زادت، حتما، حاجته ومطالبه للخدمات العامة وبالتالي فمن العدل أن تزيد ضرائبه.
وأما ميزانية ضرائب السلع فهي تدل على نظام إقطاعي، تُفرض الضرائب فيه على الضعيف ليستفيد منها الثري.
وبناء على ما سبق: فالميزانية التي يغلب عليها ضرائب الدخل وفيها بعض من ضرائب السلع، فإنها تدل على نظام سياسي راسخ ونظام اقتصادي متقدم، يستغل الضرائب الاستغلال الأمثل في ظل نظام اجتماعي يوجه الضريبة لتنظم حياته الاجتماعية.
وأما الميزانية التي لا تقوم على الضرائب، فهي إما ميزانية مجتمع حربي قائم اقتصادُه على الغزو، أو مجتمع مترف قائم اقتصادُه على منجم الذهب. وكلا المجتمعين يخلو نظامها السياسي من الاستقرار ومن الإنتاجية.
فالمجتمع الحربي إما أن تتكالب عليه الأمم فتقضي عليه، أو يركن للدعة والخمول فتعود الشعوب لتحيي ثاراتها وتسترجع حقوقها بالقضاء عليه. وأما المجتمع المترف، فهو مجتمع يعيش أفراده خيالات الأوهام، ويكثر حوله المنافقون والمسترزقون القادمون من شتى أنحاء العالم.
ومتى قُرن ما سبق من تأمل مصدر ريع الميزانية، إلى تأمل في النظام النقدي وحجم كمية النقد في المجتمع، حينها سيتبين للناظر المتأمل نوع إنتاجية المجتمع وكفاءتها. فكلما تقارب حجم الميزانية مع حجم كمية النقد، كلما دل ذلك على قلة إنتاجية المجتمع، واعتماده على دولته التي تنفق من ثروة طبيعية أو من إعانات دولية.
وهناك شاهد آخر وخلاصته: أن النظام النقدي التابع لغيره، - أي مرتبطة عملته بعملة أخرى-، إذا جاء هذا النظام مقترنا مع حالة تقارب حجم بين الميزانية وحجم المعروض النقدي، فهذا دليل واضح على قلة كفاءة إنتاجية المجتمع وعدم استطاعة نقده القيام لوحده.
وهذا بخلاف النظام النقدي المعتمد على غيره، -أي مرتبطة عملته بعملة أخرى-، لكن مع صغر حجم الميزانية بالنسبة للمعروض النقدي. فإن هذا قد يدل على فساد سياسي، عجز الساسة على القضاء عليه إلا بتبعية النظام النقدي لغيره. وقد يدل أحيانا كثيرة على ضعف كفاءة اقتصادي ذاك المجتمع. وغالبا ما يكون خليطا من العاملين، فهو في نهاية الطريق: دليل على هشاشة المجتمع الاقتصادي، لا على عدم كفاءة إنتاجيته.
ومن قراءات النظام النقدي، نراه في قراءة الاقتصاد الذي لا يتعامل كثيرا بنظام الفوائد والتمويلات، كالدول الاشتراكية سابقا والإسلامية، ستجد أن المعروض النقدي الأول يُمثل نشاطه الاقتصاد. بينما المعروض النقدي الثاني هو الممثل الحقيقي لكثير من البلدان المتقدمة، (هذا إن توافقت في تعاريف المعروض النقدي، وما أكثر اختلافاتها).
ويأتي بعد الشاهدين الرئيسيين السابقين شاهد يخدمنا كدليل على صحة منطقية التأمل السابق أو عدمه: وهو كشف حساب المبادلات التجارية والمالية الخدمية للمجتمع مع دول العالم والمجتمعات الأخرى، وبه تُختم المناظرات والمجادلات، ويتبين الغث والسمين، إن أراد المجتمع الاقتصادي تحليلا صادقا لاقتصاده ليبني عليه خططا مستقبلية عملية وواقعية ناجحة.