د. ناصر بن علي الموسى
فجعت التربية الخاصة بالمملكة، بل العالم العربي كله بوفاة ابنة بارة من بناتها، وامرأة فذة من نسائها، وركن أساس من أركانها، ورمز من رموزها، وعلم من أعلامها.
لقد كرست حياتها للعمل في مجالات الإعاقة المختلفة، ونذرت نفسها ووقتها وجهدها في سبيل خدمة التربية الخاصة بشكل عام وتعليم الأشخاص الصم على وجه الخصوص، وكافحت ونافحت ودافعت عن قضاياهم، وطالبت بحقوقهم، وتصدت لإيضاح واجباتهم، وعملت من أجل تحسين الاتجاهات المجتمعية نحوهم.
وقد تقلدت -يرحمها الله- العديد من المناصب الإدارية والتربوية، وكانت مثالاً للجد والاجتهاد والتفاني والإخلاص في عملها، وترأست وعملت في عضوية الكثير من اللجان وفرق العمل المتخصصة وغير المتخصصة، وكانت تعشق التفوق والتألق والتميز في جميع أعمالها، وشاركت في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية وورش العمل والدورات التدريبية، وكانت كلها -يرحمها الله- طموحاً ونشاطاً وحيوية.
وقد تركت الدكتورة فوزية سيرة ذاتية عطرة حافلة بالنشاطات والإنجازات والمشروعات والمبادرات، والتي من أبرزها -على سبيل المثال لا الحصر- تبنيها يرحمها الله لمشروع المدرسة الشاملة، ومشروع إلحاق الطالبات الصم بكليات البنات التي كانت تتبع لوزارة التربية والتعليم سابقاً، وكان لها صولات وجولات في مناظرات علمية بشأن الفلسفة التي ينبغي أن يقوم عليها تعليم الصم في المملكة، وقامت بتأليف الكثير من الكتب المهمة لعل من أهمها:
دمج الطلاب الصم وضعاف السمع في المدارس العادية عام 1411 هـ، والمدخل إلى تعليم ذوي الصعوبات التعليمية والموهوبين عام 1414 هـ، والفئات الحائرة عام 1417 هـ، وتعليم المعاقين سمعياً في مفترق الطرق عام 1420 هـ، ومراكز التشخيص والتدخل المبكر عام 1421 هـ، بالإضافة إلى المشاركة في تأليف وتعديل بعض مناهج الصم في وزارة التربية والتعليم، وتقديم أوراق العمل المتخصصة في كثير من المحافل المحلية والإقليمية.
والدكتورة فوزية -يرحمها الله- كانت ذات شخصية قوية مؤثرة تتسم بقوة الإرادة والإصرار والعزيمة، وغيرها من الصفات القيادية، وكانت تمتلك صوتاً قوياً مميزاً، وقدرة كبيرة على التحدث والحوار والنقاش، تبهرك بحماسها، وتعجبك بأفكارها، وتطربك بمداخلاتها حتى ولو خالفتك في الرأي.
وعرفت الدكتورة فوزية عندما عملنا معاً في الأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم سابقاً، فكانت نعم الزميلة في العمل ونعم الرفيقة في درب الكفاح من أجل الارتقاء بمستوى برامج التربية الخاصة وخدماتها في المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
أما آخر حديث دار بيني وبينها -يرحمها الله- فقد كان على هامش الندوة العلمية التي نظمتها جمعية الأطفال المعوقين في فترة سابقة، وقد انصب الحديث -بطبيعة الحال- على التربية الخاصة، إذ تأملنا أوضاعها الراهنة، وشخصنا واقعها، واستشرفنا مستقبلها، واستعرضنا سبل تطويرها، وتمنينا أن يعود عصرها الذهبي إبان أوج ازدهارها، بل تمنينا أن تتجاوز ذلك إلى المزيد من التقدم والرقي في مستوى برامجها وخدماتها بما يلبي احتياجات أبنائنا وبناتنا ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة على اختلاف خصائصهم وتعدد احتياجاتهم، وينسجم مع مكانة المملكة المرموقة في مجال الإعاقة على مستوى العالم، والدور الريادي الذي تضطلع به في مجال التربية الخاصة على مستوى المنطقة العربية.
ولا شك أن وفاة الفقيدة الغالية التي تركت ذكراً طيباً، وفكراً نيراً، وأثراً بالغاً في التربية الخاصة تعد خسارة كبرى لنا جميعاً، غير أن عزاءنا هو أن ابنتها سعادة الدكتورة أروى بنت علي أخضر ستكون -بإذن الله تعالى- خير خلف لخير سلف، فالدكتورة أروى -يحفظها الله- تتمتع بشخصية قيادية متميزة، وتتسم بالتفوق والتألق والإبداع، ولها جهود كبيرة في التربية الخاصة، وإسهامات عديدة من خلال الأبحاث والدراسات وأوراق العمل التي تسعى إلى الارتقاء بكم ونوع البرامج والنشاطات والخدمات المقدمة في مجال التربية الخاصة، ولا ينقصها إلا أن تمنحها وزارة التعليم الفرصة للإسهام في إعادة التربية الخاصة إلى سابق مجدها.
وفي الختام.. فإنه لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول ما يرضي ربنا: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وندعو الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم فقيدتنا الغالية رحمة واسعة، وأن يسكنها الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجعل كل ما قدمته في ميزان حسناتها، وأن يلهمنا ويلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان، وأن يجعل التوفيق والنجاح حليف ابنتها الدكتورة أروى، وابنيها إيهاب ونواف، إنه ولي ذلك والقادر عليه.