أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك نوع من الرجال لا يذكرك إلا إذا احتاجك مرة ثانية، وإذا انتهت حاجته عاد إلى سيرته الأولى، وهكذا، وكنت أظن أن هذا النمط من الشخصيات جديد في بني الإنسان حتى توقفت متأملاً في حالة من نجا من السجنين اللذين كانا مع يوسف عليه السلام خلف القضبان، إذ إنه عليه الصلاة والسلام لما فسَّر لهما الرؤيا أوصى من ظن أنه ناج منهما قائلاً له وهو المظلوم {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}.
وهنا يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن يوسف عليه السلام بقي بعد هذه الحادثة بضع سنين نتيجة أن الشيطان أنسى ساقي الرب الخمر يوسف السجين، حتى احتاج المجتمع الملكي لمن يفسِّر رؤيا الملك، في هذا الوقت ادَّكر الرجل وتذكَّر السجين الذي أوصاه بأن يذكره عند الملك، فانبرى أمام الكل قائلاً: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}. وجاء ليوسف القابع خلف القضبان طالباً منه أن يفتيهم فيما أشكل عليهم وأشغل بالهم جميعاً بعد أن ندبهم الملك لتفسير رؤياه العجيبة.
هذه مشكلة تتكرر في الجنس البشري وتقابل كل منا في تعاملاته وعلاقاته مع الناس، إذ أن هناك من لا يعرفك إلا إذا احتاجك، ولا يكترث بك ولا يهتم بوصيتك له وطلبك منه إذا انصرف عنك بعد أن ينال مبتغاه، ومتى احتاجك مرة أخرى فسيعود وربما كال لك المديح وذكر إحسانك له من قبل حتى يمهّد الطريق للوصول إلى ما أراد الحصول عليه منك، وعلى افتراض أنك لم تستطع أن تخدمه وتساعده في الوصول إلى حاجته لأي سبب من الأسباب صنَّفك في خندق الأعداء وبدأ يكيل لك التهم ويلبسك ثوب الخذلان وعدم التقدير والاحترام، كل هذا لأنك على قوله، وفِي لهجتنا الشعبية الدارجة (لم توجّبه) وما أنزلته المنزلة التي يستحقها في أمر هو ليس باستطاعتك ويتنافى مع واجباتك الوظيفية، وكان الواجب عليه شكرك والثناء على ما بذلت من جهد.
إن العلاقة البراجماتية اليوم صارت هي السائدة في مجتمعنا المعاصر للأسف الشديد نتيجة الطبيعة المادية التي صبغتنا بصبغتها وأثَّرت على سلوكياتنا في الحياة وعلاقة بَعضنا مع بعض وكان الأجدر بِنَا أن نحافظ على ما كان عليه الآباء والأجداد من أخلاقيات تتجاوز دائرة المصالح المتبادلة إلى القيم المتجذِّرة في نسيج المجتمع الاجتماعي، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.