سمر المقرن
من أقوى التجارب النسائية في الحقل السياسي والحقوقي في عهدنا الراهن هي تجربة زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي، قد يكون الظاهر من حياة هذه المرأة هو النشاط السياسي ضد دولة الظلم إيران، والتي ظلمت شعبها قبل أن تمتد أياديها للعبث والجريمة بحق الشعوب الأخرى، لكن الباطن في تفاصيل حياة هذه المرأة قد لا يعرفه الجميع، وأتذكر أنني التقيتها في باريس شهر مارس عام 2013م عندما دعتني للمشاركة في اليوم العالمي للمرأة في احتفالية نظمتها المعارضة الإيرانية، أول ما لفت نظري الحشود الكبيرة التي توافدت من الإيرانيين من كل الدول، وحجم الحب الذي يحمله آلاف الحضور لهذه المرأة، أتذكر سألت أحد كبار العاملين معها عن عظمة هذا المشهد، فأجابني: أن هذه المرأة التي يحبها كل الناس هي امرأة عظيمة، هي لا تعيش كما يتخيل بعضهم في باريس بعيداً عن معاناة أهلها في مخيمات «أشرف» بل هي رحلت إلى باريس لتعمل من أجل قضيتهم ومن أجل تحرير بلادها من ملالي طهران، خرجت من مخيمات أشرف وتركت أبناءها هناك لتثبت للناس أنها لم تبتعد عنهم لتحظى بالقيادة أو الزعامة أو الشعور بالأمان بعيداً عن التعذيب الذي يعيشه أهلها في تلك المخيمات، بل تركت أبناءها بينهم، كما أنها قررت مع زوجها (مسعود رجوي) أن يفترقا ويعمل كل منهما على نفس القضية دون أيّ لقاء، حتى لا تنعم ولو يوم واحد بقرب زوجها وأهلها في المخيمات يعيشون أنواع المعاناة!.
مشاهد عظيمة تدور بخلدي وأنا أتخيل كيف لإنسان أن ينأى بنفسه عن ملذات الحياة (الزوج والأبناء) لأن لديه قضية إما أن يعيش لأجلها أو يموت دونها، هذه المرأة لم تصل إلى هذه المرحلة من فراغ إنما معاناة طويلة مع ظلم ملالي إيران إن كان على صعيدها الشخصي أو على صعيد مجتمعها الإيراني. ولعل الحكاية الأكثر دموية هي إعدام شقيقتها الصغرى «معصومة» بعد تعذيبها وهي حامل في عهد الخميني!.
إن الإنسان الذي يصل إلى هذه المرحلة العالية من سمو المشاعر والإحساس بالتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة يستحق كل الاحترام، فكيف إن كانت امرأة في هذا العصر تواجه دولة بأكملها هي إيران التي لا تعمل إلا تحت إمرة الشيطان!.