أقدم نص قانوني كامل عثر عليه مكتوب بالخط المسماري على مسلة اسطوانية ضخمة؛ هو عبارة عن مجموعة قوانين بابلية بلغ عددها 282 مادّة سجلها الملك حمورابي؛ سادس ملوك بابل؛ والذي حكم ما بين 1792 إلى 1750 قبل الميلاد. وقد اكتشف الأرخيولوجيون أن مسلة حمورابي ليست الأقدم، وأن القوانين ظهرت قبل الكتابة؛ وكانت تطبق في الممالك البابلية كـ(نُظُمْ) اجتماعية دون أن تكون مكتوبة!. وقد يكون ابتكار الكتابة ذاته، جاء كضرورة لتنظيم العلاقات والتواصل بين أفراد تلك الممالك القديمة.
قوانين حمورابي «البابلية» كانت ولازالت هي المعين، الذي استمدت منه الحضارات المتعاقبة قوانينها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة؛ هل عاشت المجتمعات البشرية بدون تنظيم قبل بابل؟
الأساس الذي ميز البشر عن سائر الكائنات هو التنظيم، فلا يوجد عمل جماعي يكمّل بعضه بعضاً؛ أي مجتمع؛ بدون نظام!. والنظام هو «قانون»؛ سواءً كان مكتوباً أم لا!. وقد عاش البشر مئات الألوف من السنين قبل حضارة بابل؛ وقبل الكتابة؛ دون «الحاجة» لقانون مكتوب. وإذا كانت «الحاجة» هي السبب في ظهور «القانون المكتوب» قبل أربعة آلاف سنة تقريباً، لا بد إذن من وجود؛ قبل ذلك؛ ما يوازي «القانون المكتوب».
التاريخ المكتوب؛ وغير المكتوب؛ سخر لنا الإجابة؛ وما كنا لها مقرنين!، فالتنظيم الاجتماعي نشأ بالأساس على ما نسميه اليوم: «العُرْف الاجتماعي»، فأنت تحترم الكبير؛ وترأف بالصغير؛ وتحمي نفسك وأهلك ومجتمعك؛ دون أن يكون هناك «حاجة» لقانون مكتوب!. ومجتمعات وحضارات ما قبل بابل، لم تكن بحاجة لقانون مكتوب كي تلتزم بما نسميه اليوم : «العقد الاجتماعي» أو الأخلاق.
خلال مئات الألوف من السنين؛ قبل الحضارة؛ لم تكن هناك «ثروة» يمكن أن تكون محل «نزاع» بين البشر. فائض الثروة نشأ بعد اكتشاف البشر للزراعة وتدجين الحيوانات، أي قبل أحد عشر ألف سنة تقريباً من عصرنا هذا، وعلى الرغم من ذلك لم يكن البشر بحاجة الى قانون مكتوب، يحدد العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، إلا في زمن حمورابي، أي قبل أربعة آلاف سنة تقريباً.
النزاع على الثروة؛ حوّل تدريجياً؛ الأخلاق الناظمة لتطور المجتمع البشري إلى قوانين!. وعندما رأى سقراط ما يفعله الأسياد بالعبيد؛ ولم يستطع إيجاد حلاً للظلم؛ إلا التمسك بـ «الأخلاق المفقودة»؛ وهذا مستحيل؛ قال لمجموعة معاصريه من الفلاسفة : ألستم تقولون إني أكثركم علماً؟ قالوا: بلى.. قال: أنا أعترف أمامكم بأني لا أفهم شيئاً؛ أي أنكم جميعاً لا تفهمون!.
** **
- عادل العلي