د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
صدرتْ في الأسابيع الماضية موافقة مجلس الوزراء الموقر على لائحة الوظائف التعليمية الجديدة بمحمولها الجديد الذي يتضمن تبليغاً للمجتمع برسالة التعليم وكيفية حياكتها وإحكامها، فبعد قرابة أربعة عقود من الزمن استثمرتْ فيها لائحة المستويات التعليمية السابقة التي صدرتْ عام 1401هـ بكثير من الأهداف الوطنية الطموحة يتصدرها توطين الوظائف؛ وجذب المعلمين إلى ميدان المدارس دونما منافسة مضنية! واتضح من سياقات الترقي الوظيفي في اللائحة السابقة أن التراخي في الصياغات الملزمة لتجويد الأداء التعليمي ورفع مؤشر التمكن من الأداء العصري أدى إلى تسرب الجودة في بعض مفاصل الأداء والمعرفة مما نجم عنه تراجع في مخرجات الطلاب عززتْ ذلك كثير من موهنات القوة التعليمية في المناهج والبيئات والقوى البشرية الإدارية وضعف التخطيط للنمو المعرفي والمهني!.. وخروج عمليات التقويم الصحيحة خارج أسوار المدارس مما نجم عنه ضبابية موجعة في إصدار الأحكام على مستويات الطلاب في الفصول الدراسية؛ وهناك مربط الفرس!.
ومن خلال الأنباء التي أحاطت باللائحة الجديدة فإن هناك فرقاً ولجاناً تبسط الأحوال والحالات التعليمية وتعقد التواشج والاندماج بين واقع شاغلي الوظائف التعليمية وبين المحددات التنظيمية للائحة الجديدة كما يبدو أن التمعن وتفكيك المضامين في الصورة الكلية للائحة سوف يمنحها هوية ربما تخفف من بعض النكوص الذي شعر به بعض ذوي الشأن بعد إقرار اللائحة الجديدة!!.
وصدور اللائحة في هذا العهد السعودي المزدهر وهذا العصر العالمي القافز نعتبره استهلالاً بصيراً من وزارة التعليم.. ونأمل أن يكون ذلك من محفزات النهوض لصناعة التعليم النفيسة؛ فأيّ تحديث في تنظيمات صناعة التعليم يؤسس لطاقات تعمل حسب خط إنتاج محدد لتشكيل جماعات عمل تربوية في المدارس قوامها المعلمون يجمعهم رباط المهنة وميثاقها الشريف؛ ويتحقق فيما بينهم الاندماج في الأطر والصياغات والنتائج المحققة للاستيعاب والتطوير.. والتعليم بناء تراكمي وطني يجب أن يليق ببلادنا وعقول أبنائها التي أجزم أنها لوشُحِذتْ لقدحتْ!.. فاستحداث التنظيمات واللوائح التي تنظم حقوق المعلمين ومزاياهم المادية وحوافزهم في التنمية المهنية والمعرفية هو شراكة عليا جديدة من أجل الوصول للطلاب من أبواب قوية مُهابة؛ فلقد افتقدتْ المدارس المعرفة العميقة فتضخمتْ النتائج واتكأ تقييم الطلاب على منابع ضحلة!.. وإن حصدنا بعض الجوائز التي فتقتها «موهبة»؛ فالمبدعون ما زالوا استثناء قد نالوا ما نالوه من مكاسب من منابع ربما تجاوزت في جلّها مصانعنا!.
ويحيطنا التفاؤل حيال قوة التطبيق وعدالته في الخطط التنفيذية للائحة الوظائف التعليمية الجديدة، وكل ما نخشاه أن تكون الرخصة المهنية هدفاً أوليّاً للائحة، حيث يجب أن يكون المتكأ أن الرخصة وسيلة لتجويد الناتج التعليمي وليست منافسة على مقاعد وظيفية؛ وأن تمثل اللائحة فرصة كبرى للمعلم الجاد حين تمنحه مساحة للترقي الوظيفي والنمو المهني بمعنى أن تكون الكفاءة المعرفية والمهنية وقبلها جودة المخرجات التعليمية متكأ لحيازة التقدير وفي ذلك تغيير جذري لثقافة الميدان التعليمي.
والسؤال الأولى بالرعاية هل سيتمكن جميع المعلمين من الإمساك بسقف اللائحة الجديدة لاعتبارات مهنية كثيرة خاصة أن حيازة الرخصة المهنية حُصر في اختبارات تعدها جهات الاختصاص!!.. وماذا بشأن الماضي الوظيفي للمعلمين وقرارات التعيين في المهنة الممهورة من الدولة، وما يملك جل المعلمين من تقييمات مرتفعة قد حصلوا عليها؟.. كل ما سبق إن كانت حيازته من قبل جل المعلمين فيها شيء من الخبن فذلكم النظام السائد ومفرداته!؟.. فما هو مصير أولئك المعلمين فيما لو تجاوزتهم اللائحة الجديدة بعد استنفاذ الفرص المعلن عنها؟ وهل دليل التصنيف الوظيفي في وزارة الخدمة المدنية سوف يستوعب الخبرات التعليمية المحولة من التعليم إذا ما أرادوا ذلك أو أريد بهم ذلك!! وهل سيكون لهم بدل مناسب مثلما هو بدل التعليم؟!.. كما يحتاجون لبرامج تطوير مهنية تعدهم للعهد الجديد! وإن تفاءلنا بأن وزارة التعليم سوف تحتضن أبناءها وتتيح لهم الفرص ممن قد لا يحالفهم الحال؛ فإن الوزارة قطاع فاض واستفاض! وماذا عن دوافع التدريس عند المعلمين الجدد من غير ذوي الرغبة في التدريس بعد صدور اللائحة؟.. فعسى أن لا نفتقد ثلة منهم؟.. وإذا ما نظرنا إلى الواقع إن كانت النظرة له غير واثقة فهي تحال إلى الجامعات ومخرجاتها ولوائح الخدمة المدنية وهشاشة لائحة تقييم الأداء الوظيفي ومفرداتها؛ وخلل آخر في تحديد الاحتياج الحقيقي من بعض التخصصات وذلك يتحمله مخططو التعليم،وشح في قنوات التطوير المهني ومستوياته.
ومن هنا فإننا نصفق لمستقبل حفي بالمعرفة سيتحقق حتما من خلال اللائحة الجديدة؛ والترقي الممهور بالمعرفة العليا والأداء الأعلى؛ إلا أن التنفيذ يجب أن يتجه من الواقع الذي يحتشد فيه المعلمون الآن بمنحهم جميعاً رخصة مهنية تأسيساً على الوثائق الرسمية والمكتسبات المهنية التي حصدوها في مسارهم الوظيفي ومن ثم يصنفون وفق سنوات الخدمة والخبرة والمؤهلات والأداء الوظيفي وهذه ممتلكات نفيسة عندهم وتطبق عليهم مسارات تنموية ويعطى كل أناس مشربهم، أما التسكين على رتب اللائحة فيكون تجربة ثرية لو اختبرتْ قوتها في القطاع الخاص (المدارس الأهلية).. فهناك حتماً لن تُخذل! لاتساع العرض والطلب؛ ومن ثم تطرح الرخصة المهنية للاختيار في المدارس الحكومية لعام أو عامين آخرين فتكون بعد ذلك جاهزة للتطبيق الملزم الوقور المحفز.
ونعلم بكل التوق والشوق أن التعليم دخل إلى رسم صورة المستقبل من خلال منظومة التغيير الوطنية الشاملة المضمنة في رؤية بلادنا الحضارية 2030 وأصبحنا نرقبُ نواتجها وإشراقاتها، ولذلك فإن ترقية مستويات التنظيم مطلب أولي لإصلاح التعليم وتلك غاية عظمى لا تقبل الانشغال بغيرها ولا يمكن لأيّ بناء نظري أن يصمد دون إيمان المعنيين بتلك المظلة عندما تكون التشريعات على مستوى التنظيم كاملة والاهتمام بسد الثغرات والفراغات والتكرار وأن يكون التنسيق بين الوزارات المعنية بأيّ تنظيم في أعلى منصاته.
ويعلم الله أننا اشتقنا للوصول لليقين التعليمي والتربية المتفوقة اشتياق صحارينا الشامخة للمطر؛ فكم يحتاج التعليم للبدايات الذكية والنهايات الأذكى.