اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
بعد أن بحَّ صوتها، وانقطع نفسها، وأنفقت مئات ملايين الدولارات، إن لم يكن مليارات؛ ومع هذا نفدت كل حيلها، وتقطعت بها السبل، وخاب سعيها في دق إسفين الفتنة بين قيادة بلاد الحرمين الشريفين الرشيدة وبين شعبها الوفي النبيل الواعي من جهة، وبين الدولة السعودية وبين بقية دول العالم ولاسيَّما الدول الإسلامية والعربية والغربية من جهة أخرى.
أقول، بعد كل هذا الجهد الحثيث الخبيث في تمزيق لحمة الأمة وإشعال فتيل الفتنة في بلاد الحرمين، تأكد لقناة الفتنة القطرية أن الجبهة السعودية عصية عليها وعلى أخواتها من المرتزقة صناع الفتنة، وإن اجتمعوا لها. فنفضت يدها صاغرة بعد مئات البرامج التحريضية و(الأفلام الوثائقية)، ثم تأبَّط صاحب برنامج (ما خفي أعظم) حقيبة الفتنة واتجه صوب مملكة البحرين، علَّه ينجح هذه المرة في إشباع طموح رؤسائه في غرس الخنجر المسموم في صدر الأمة من خلال إذكاء نار الفتنة الطائفية، وتحريض إيران وأمريكا، ودق إسفين الخلاف والشقاق بين بلاد الحرمين الشريفين وبين مملكة البحرين. فبث سمّه عبر حلقة جديدة ضمن حلقات التآمر على الأمة من برنامجه (ما خفي أعظم) مساء الأحد 1440/11/11هـ، الموافق 2019/7/14م، ثم أعيد البرنامج في الأيام التالية أكثر من مرة كالعادة.
وصحيح، كتبت كثيراً مفنداً أكاذيب مثل هذه (البرامج الوثائقية) وادعاءاتها بالحجة الدامغة والبرهان القاطع والمنطق السليم الواضح، بعيداً عن التحليلات السياسية والعواطف؛ إلا أنني اكتفي اليوم بسؤال أوجهه للقائمين على إذكاء نار الفتنة خلف تلك البرامج الخبيثة : ما هي الفائدة التي تنشدونها من أعمالكم الشريرة تلك؟!.
فلنفترض أنكم نجحتم في تنفيذ أجندة الخراب والدمار، فما هو الخير الذي يعود عليكم، وما هو المكسب العظيم الذي يستحق منكم التخلي عن كل القيم والأخلاق والشيم العربية الأصيلة، لكي تنجروا خلف تلك الأوهام والأعمال القذرة القاصرة التي لا تقدم ولا تؤخر؟! فهلاَّ سألتم أنفسكم يوماً في ساعة صفاء : لماذا كل هذا اللهث والإصرار على الإساءة إلى الأمة؟!.
لماذا تنازلتم عمَّا كان ينبغي أن تكونوا عليه من أخلاق الكرام، ونزلتم إلى هذا الدرك الأسفل من الإسفاف في النبش في الأعراض والحرمات والتشكيك في الذمم واختلاق الأكاذيب والافتراءات؟! لمصلحة من يا ترى كل هذا الغثاء الذي دأبتم على شغل الأمة به؟! لماذا لم تقرروا أن تكونوا أداة بناء توجه شباب الأمة إلى الخير والعمل البناء والسباق إلى الخيرات، بدلاً من أن تكونوا معول هدم كل همه التخريب والدمار ووضع العصا في عجلة الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة؟!.
وقبل هذا كله وذاك، هل فكرتم يوماً يا هؤلاء أن مثل هذه الممارسات غير المسؤولة يمكنها أن تعيدكم إلى البيت الخليجي من جديد؟! وحتى إن تم هذا، وإن كنت أشك، بل أجدني على يقين تام أنه لن يتم ما دمتم على هذه الحال، هل فكرتم في ما يمكن أن تتركونه من جرح في نفس كثيرين لا يندمل إلى الأبد؟!.
على كل حال، أرجو صادقاً أن تسألوا أنفسكم محاولين إيجاد إجابات صادقة على تلك التساؤلات.. وحينئذٍ ستكتشفون كم كنتم ظالمين لأنفسكم قبل أن تكونوا ظالمين للأمة بمثل تلك الحماقات.
من جهة أخرى، لنفترض جدلاً أن كل ما ذهب إليه (الفيلم الوثائقي) إيَّاه صحيح مائة بالمائة، خالٍ تماماً من أي افتراءات وأكاذيب اجتهد مقدم البرنامج كثيراً مستخدماً نبرة صوته ليكسبها شيئاً من المصداقية، حتى يوهم المشاهد أنه جاء بما لم تستطعه الأوائل، حين توصل لاكتشافٍ خطير لم يسبقه إليه أحد من البشر السابقين، ويعجز عنه اللاحقون.
أقول، لنفترض جدلاً أن الحال كذلك. لكن بالمقابل، سبق أن عرضت قناة الفتنة نفسها، بشحمها ولحمها، على مدى سنوات عبر (برامجها الوثائقية) صوراً حية لأفراد من معظم مخابرات الغرب وهم يعقدون صفقات مع مجموعات مختلفة من القاعدة وأخواتها من السنغال إلى مالي والصومال فأفغانستان، ناهيك عن العراق وسوريا ولبنان. ويقدمون لهم حقائب منتفخة محشوة بملايين الدولارات، مع أسلحة وأجهزة اتصال متقدمة. ليس هذا فحسب، بل جاء في أحد تلك (البرامج الوثائقية) المزعومة التي تبثها قناة الفتنة، أن بعض رؤساء دول يعملون موظفين لدى مخابرات بعض الدول الغربية، ويتقاضون منهم رواتب سنوية مستمرة تبلغ ملايين الدولارات.
لكن مع هذا كله، لم نسمع أن صاحب (ما خفي أعظم) قد تأبَّط (حقيبة الفتنة) وذهب إلى هناك لكي يكشف للمشاهدين سراً عظيماً تم إخفاؤه عنهم سنين عديدة، عبر (صحافة استقصائية) و(مهنية حسب معايير قناة الفتنة)!.
وعلى كل حال، حسناً فعل أحد الضيوف من أمريكا، الذي تمت استضافته ضمن (تغطية) للبرنامج إيَّاه مساء اليوم التالي لليوم الذي تم فيه بث البرنامج لينفخ في نار الفتنة، غير أن الرجل فاجأهم مؤكداً أن تلك أمور طبيعية عادية، تمارسها معظم دول العالم، وتندرج في باب (الغاية تبرر الوسيلة) لدفع خطر أعظم. وقد سبق للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك أنه أكد استعداده للتحالف حتى مع الشيطان من أجل حماية بلاده ومواطنيه.
وقبل هذا وذاك، لم يرتكب أولئك الأشخاص الذين زعم البرنامج أن مخابرات البحرين تواصلت معهم جرماً بحق أي مواطن بحريني أو مقيم لصالح الدولة، كما أثبت البرنامج نفسه أن الدولة لم تتخلص منهما، إذ أكد أن أحدهما قتله الإيرانيون، أمَّا الثاني فما زال يتمتع بالحياة الكريمة في بلاده حرَّاً طليقاً. فليقل لنا (المسحال) إذاً: كيف تترك دولة شخصاً يعيش حرَّاً طليقاً مع أنه يعرف عنها كل تلك (الأسرار الخطيرة)؟ّ!.
إذاً نخلص إلى تساؤل مهم، بل غاية في الأهمية : أين ذاك الاكتشاف العظيم والسر الخطير في هذا (الفيلم الوثائقي) الذي ظلَّت قناة الفتنة تروج له لأكثر من شهر قبل بثّه؟!.. على كل حال، أنا لا أرى فيه أكثر من تلك المقولة العربية الشهيرة : تمخض الجبل فولد فأراً.
أما ما قيل عن وجود أسماء لثلاثة أشخاص من أمراء السعودية في مفكرة أحد المطلوبين، فمن أدرى صاحب (ما خفي أعظم) أنهم رُبَّما كانوا مستهدفين من قبل جماعة مارقة، خاصة انه لم يؤكد في أثناء عرضه تواصلهم معه أو تعاونهم أو حتى مجرد اتصال أحدهم عليه. وقطعاً ينطوي هذا على أمر خطير جداً، فكيف لأحد أن يأخذ الناس بالشبهات ويسئ إليهم دونما تثبت.. أم إنها (مهنية قناة الفتنة العرجاء)؟!.
على كل حال، أختم بضم صوتي لصوت أخي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وزير خارجية مملكة البحرين، مناشداً المجتمع الخليجي قادة وشعوباً بضرورة مواجهة تلك الممارسات غير المسؤولة والأعمال العدائية، والأخذ على يد أصحاب قناة الفتنة، حفظاً لأمن المنطقة واستقرارها وتماسك جبهتنا الخليجية في وجه هذا العالم الذي أصبح يغلي اليوم بسبب تلك الممارسات والأفعال القذرة.
وحتى هنا، يكفي ما لحق بالأمة من ضرر نتيجة تآمر قناة الفتنة وخبثها وخدمتها لأجندة تعمل ليل نهار بكل ما أوتيت من قدرة وسعة حيلة، لتعطيل مسيرتنا خيرنا القاصدة لخدمة شعوبنا ورسالتنا في الحياة.