د.ثريا العريض
لاحظت في حوارات التواصل الاجتماعي اشتباكات مطولة حول أوضاع المرأة في مجتمعنا خرج بعضها من نطاق الحوار المثقف إلى نطاق التشاتم وكيل الاتهامات بناء على تصنيفات للطرف الآخر تلتبس فيها الحقائق بسوء الفهم بين من يسمى النسويات تحت مظلة الدفاع عن حقوق الإنسان, والمدافعات عن تقليدية العلاقات تحت مسمى استقرار المجتمع.. وصلت إلى حد تخوين الفئة الثانية للفئة الأولى واستدعاء التخويف مما يجيء في العالم حالياً مرتبطاً بالمساواة في التعامل مع الأقليات كالمثليين التي ظلت الانتماء إليها مرفوضاً منذ حُددت جوانب المشروع والمحرم دينيا. المهم في الأمر أن حقوق المثليين ليست جزءاً من مطالب النسوية التي هي في غالبها مشروعة. ولكن ربطها بالمحرمات يسهل تجريم كل رؤاها ويسهم في الاستنفار لرفض المرئيات الساعية لتعديل التعامل مع الإناث في المجتمع, ورفع الغبن عنهن تحت مظلة الشرعية الدينية.
لسنا أول مجتمع أو دولة يحتدم فيها الحوار والخلاف في الآراء حول أوضاع المرأة أو أيّ من الأقليات المهمشة لأعراف فئوية أو عنصرية أو طبقية. والأهم من الجدل العبثي الذي يزيد تصدع المجتمع أن تقنن أوضاع المرأة لتضمن أن تنال كل حقوقها كإنسانة دون أن تحرم من أيّ منها بسبب أنوثتها.
تتفاوت المجتمعات في التعامل مع المرأة. ولكن التحيز ضد المرأة ما زال القضية المصيرية بالنسبة لملايين النساء في شتى أنحاء العالم. من هنا انطلقت اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة التي وافقت عليها كثير من الدول رسمياً من بينها المملكة العربية السعودية مع بعض التحفظات.
الحمد لله أن رؤية ومبادرات التحول نجحت في رفع بعض نواحي معاناة المرأة وإعادة التوازن المجتمعي في معاملتها, مثلاً قرار السماح بسياقة السيارة, وتقنين أمور النفقة والحضانة في حالات الطلاق. بالرغم من هذا لا يزال البعض يقاوم مستمراً في ممارسة القمع والاستغلال، ما يتطلب أن يستحدث تقنين شامل يطبق على الجميع خاصة في تنظيم العلاقات الأسرية وحقوق النساء والقصّر لمنع الإساءة إليهم ومعاقبة المخالفين. وقد تكررت المطالبة بإعادة النظر في حقوق المرأة والأعراف المعتادة والممارسات التي تسمح في الأوضاع المجتمعية الراهنة بحرمان بعضهن من بعض حقوقهن الشرعية كالإرث والراتب واختيار الزوج وحرية الحركة من قبل الأسرة أو حتى المجتمع تحت مظلة القوامة والولاية. وهي قضية مصيرية سواء نظرنا إليها في إطار إنساني أو حقوقي أو اجتماعي أو اقتصادي. هي باختصار ليست متضادة مع «الشرعية», ولا هي مؤامرة تغريبية كما يحاول البعض تصويرها.
مجتمعنا, كغيره, لا يخلو من حالات المعاناة الخاصة ومن خالات التجاوزات العرفية, ولكن ذلك لا يعني صحة رد الفعل أن تأتي بتبرير معاكس ونعلق معارضتنا لتحسين أوضاع المرأة على غضب نستثيره من موقف مراهقة هربت من ظروفها الفردية الخاصة وطلبت اللجوء بتبريرات مضخمة تتهم فيها المجتمع كله أو الدين أو الدولة بأنها خصوصية خانقة أو قاتلة تعم كل الإناث، فهو خطأ يستنفر التصدع المجتمعي وينكر كل ما يحدث من تحسن الرؤية العامة ومنجزات رؤية التحوّل رسمياً.