يوسف المحيميد
هل كان معهد التربية الفنية في الرياض معهداً؟ أم أنه أكاديمية فنون جادة خرجت عدداً من الفنانين الكبار، خاصة من الجيل الثاني بعد الرواد، كعبدالعزيز الناجم، وفهد الحجيلان، وعثمان الخزيم، وفهد الربيق وغيرهم.
الناجم أحد أبرز هؤلاء، بدأ واقعيًا، كما غيره من فناني إقليم نجد، مهموما بتفاصيل المكان، ملامح القرى، وبيوت الطين، وأشجار الأثل والنخيل، والأدوات المستخدمة قديمًا في البيوت، فتراوحت أعماله بين الواقعية المباشرة في موضوعات المناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة، والبحث عن تجريد مختلف بعدما نضجت أدواته أكثر، معبرًا عن الموضوعات ذاتها، وإن خرج عليها في معرضه «طفولة وسلام».
ومن يتتبع سيرة عبدالعزيز الناجم يجد أنه ازدهر في الألفية الجديدة، وانطلق بجموح في عدة معارض متتالية: طفولة وسلام 2007، رسالة ملونة 2008، قبل أن تختفي من الذاكرة 2009، وطيف من الذاكرة 2011، وهذا الأخير كان ذروة مجد الناجم، قدرة مذهلة في اختزال القرية النجدية، خطوط بسيطة، ومساحات لونية فاتنة، وأعمال تعبيرية تجعل المتلقي، حتى وإن لم يكن متذوقا للفنون، يقف أمام اللوحة بدهشة، فهو يشعر بها، تلامسه، يتماس مع رائحة بيوتها الطينية، مع شجرها الصحراوي بأشكاله الهندسية، القرية التي نعرفها، القرية ببيوتها فوق سطح الأرض تخبئ عالمًا سفليًا غريبًا، عالما عميقًا حتى وإن بدا بسيطا للوهلة الأولى.
ما يثير الانتباه أن أعمال الناجم تلفت نظر المتلقي أيا كان، ناقداً، مثقفاً، إنساناً بسيطاً، طفلاً، وهذا تحد كبير، لا يصل إليه الفنان ما لم يمتلك أدوات ناضجة، ووعيا عميقا، وقدرة هائلة على تبسيط الأشياء العميقة، وليس تسطيحها كما يفعل البعض، هو لا يعبر عن أفكاره بضجيج وانفعال، وإنما بصوت خافت وهادئ، وألوان قوية وخطوط صارمة، لوحة الناجم تشبهه، هادئة لكنها صارمة ومحددة ومعبرة كثيرًا.
هذا الفنان ليس فنان اللوحة اليتيمة، بل فنان المشروعات الناضجة، لا ينتهي من مشروع متكامل ويقدمه في معرض لوحاته تقارب الأربعين، حتى ينصرف إلى مشروع جديد، وحتى لو هدأ قليلا بعد العام 2014 ، وتوقف كمحارب في لحظة تأمل ومراجعة صارمة لتجربة فنية أنجزها في أربعة معارض متتالية، فهو يتهيأ لانطلاقة جديدة، وربما تفاجأنا كما فعل في «طيف من الذاكرة»، لأن ذاكرته حاشدة وذات مخزون هائل من الحكايات، وأدواته تمتلك ناصية الإبداع، وتقودها بذكاء نحو ما يريد.