عبده الأسمري
نتحدث كثيرًا عن «النفس»، ونُكثر الحديث عن «السلوك». وما بين نقطة انطلاق القول والفعل وواقعه ووقعه إيقاع من الوقائع.. تتخذ قطبين متضادين من النتائج، فإما عزف على أوتار «السرور» وسط ثنايا النفس، أو إقامة «سرادق» العزاء بين حنايا الروح..
تتوارد في قاموس «تعاملاتنا» العديد من المفاهيم والكلمات والعبارات، بعضها نخضعها للتدقيق ابتغاء التأويل، وأخرى نرضخها للتصديق وفق الميول؛ فنسير في اتجاهات ذوات معترفة، وأخرى ناكرة؛ لتبقى «السلوكيات» في إطارات من الترقب والرقابة بحثًا عن إقناع النفس بالبرهان، أو إشباع الروح بالدليل.
يتجادل الكثيرون في نقاشاتهم وجدالاتهم ومحاوراتهم وخلافاتهم، ويتحدثون عن «الضمير» الذي يقع تحت «وطأة» الانفصال عن النفس أو الاتصال بها وسط إثارة الجدل العقيم أو العذر اليتيم أو تأثير ثورة الجدال المتيم بالأنانية لرسم خارطة «البؤس» ونثر سوءات «اليأس» على صفحات الحياة السوية المسطرة بالفطرة.
في خضم تلك النقاشات، ووسط «ثوران» بركان الأنانية، وبين «توهان» اتجاه الثبات، تظهر الانهزامية في أسوأ حالاتها في ظل سوء إدارة النفس التي لا تدار إلا بمنطق ذاتي لا يقبل القسمة إلا على نفسه، ويبقى الناتج عددًا غير صحيح، تسبقه الفواصل، وتعقبه الكسور..
إدارة النفس المثلى استراتيجية ذاتية ملزمة وحتمية، تحدد ثبات «الإنسان»، وإثبات «الاتزان» في درجات سلوكه ومؤشرات أفعاله ومقومات تصرفاته، في حين أن الإدارة الخاطئة ترمي بالإنسان في منحدرات «الانهزام» وبين متاهات «الانكسار». يؤدي سوء إدارة النفس إلى نشوء «الإحباط» وتزايد «التوتر» وارتفاع «القلق» وتنامي «الحيرة» وتفاقم «الخطأ» وانتكاس «الحال» وتراجع «الدافعية» وتوالد «الحيل» مما يشوه «الشخصية» النفسية، ويجعلها في حالة مضنية من «الصراع» بحثًا عن «انفراج» الأزمة واستبحاثًا عن «انقشاع» الغمة..
يعلق الكثير من المخطئين والمحبطين والمنهزمين فشلهم على «شماعة» الحظ، ويتحجج الواقفين في طوابير «الهامشية» وصفوف «الغفلة» بأعذار «النسيان» وحجج «التبرير» وتسويفات «التأويل». فيما يجيد «الفاشلون» ذاتيًّا إسقاط «الهزيمة» على التقليل من نجاحات الآخرين..
يظل الناجحون ذاتيًّا في إدارة النفس في سلام مع دواخلهم، ووئام مع أعماقهم، وتواؤم مع أصولهم، يرتبون مواعيد «النجاح» في عقولهم للغير، ويسرون «المنفعة» في «الصلاح»، ويعلنون «النفع» في الكفاح.. عناوينهم واضحة مختصرة للهدف منتصرة للمنطق، وتفاصيلهم مصاغة بمفردات تنطق بالأثر، وتستنطق بالإيثار.
إدارة النفس تجربة قد تحتمل «الصحة والخطأ» في مراحل أولى، وتكتمل بالتطوير والتصحيح وسط تغيير إجباري في مراحل لاحقة، وإما أن تتجه بعدها تلك الإدارة بالعزيمة لترقى إلى «الملحمة»، وترتقي إلى «البطولة»، وإما أن تنحدر بالهزيمة لتسقط نحو الخيبة، وتتهاوى إلى الخذلان..
يبقى السلوك صدى لإدارة النفس المشبعة بالتجارب المتشبعة بمشارب «السواء» أو مآرب «السوء» وسط سجل «شرف» مليء بعلامات الامتياز أو قائمة «سوداء» مكتظة بدوائر السقوط.
ما بين إدارة النفس وصدى السلوك ارتباط وترابط؛ فالتصرفات وإن تعاقبت تعود إلى «سيرتها الأولى»، والمعاملات وإن تنوعت ترتفع إلى «مستواها الأعلى».
ولا يُقاس هذا الوثاق برؤى تتجه للذاتية أو الأنانية التي يجيد «أطراف» التقييم التطرف في رميها «رجمًا» بالغيب، ولكن التوثيق الأمثل والثقة المثلى يكمنان في موضوعية «الذات» الشفافة النزيهة في قياس مؤشر تجاوز النفس للظروف، وقدرتها في مواجهة الأزمات، ومقدرتها في مجابهة العقبات.
إدارة النفس «المقياس الأدق» لتسجيل نتيجة «الحياد» في مقاييس صدى السلوك ما بين منبع للتخطيط ومصير للنتائج؛ لذا يجب الاعتراف بالحال والإنصاف للتجربة وإعادة «النظر» في التخطيط واستعادة «الفكر» في مصائر «السلوكيات» وانعكاسات «التصرفات» وفق منطق العلم ومنطلق التعلم.