د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن أفضل رؤساء أمريكا عبر تاريخها، واليوم سيكون حديثنا عن أحد أفضل ثلاثة رؤساء، حسب آراء جميع المؤرِّخين وكل الاستطلاعات الشعبية، أي إبراهام لينكولن، الذي ولد في بداية القرن التاسع عشر، في منزل ريفي متواضع جدًا، في إحدى المقاطعات النائية في ولاية كنتاكي الجنوبية، ولم يكن أحد يتخيل أن هذا الطفل المريض، والفقير، والنحيل سيكون أحد أعظم الزعامات العالمية، وأحد أفضل ثلاثة رؤساء عبر التاريخ السياسي للولايات المتحدة، فقد غيَّر لينكولن وجه التاريخ، فيما يتعلّق بالجنس البشري، وذلك عندما جعل أولويته الرئاسية هي الحرب على الرق، الذي كان شائعًا في الجنوب الأمريكي، فقد كان السود يجلبون من إفريقيا في ظروف سيئة جدًا، ويموت معظمهم في البحار، ومن ينجو منهم، يُباع في أسواق النخَّاسة للمزارعين البيض، الذين كانوا يملكون مساحات شاسعة من الأرض، وهي الأراضي التي استولوا على معظمها من سكان أمريكا الأصليين، أي الهنود الحمر، والذين بدورهم ذاقوا الويلات من ظلم الرجل الأبيض، وما زالوا يعيشون في محميات خاصة بهم، حتى يومنا هذا.
كان معظم الرؤساء الأمريكيين، الذين سبقوا لينكولن، من الطبقة البرجوازية الإنجلوسكونية، أما هو فينتمي لعائلة متوسطة الحال، عملت بالزراعة، وتنقَّلت بين عدة ولايات، وذلك منذ ولادته حتى بلوغه سن الشباب، ولكنه كان يملك الطموح والثقافة وكل مواصفات الزعامة، وبعد أن استقر في ولاية الينويز، انتخب لمجلس النواب في الولاية، ثم لمجلس النواب الفيدرالي، وقد بدأت مواهب القيادة لدى لينكولن تتبلور، ثم اشتهر على مستوى الولايات المتحدة، بعد مناظراته التاريخية عن الرق، مع عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، ستيفن دوقلاس، وهي المناظرات التاريخية، التي لا تزال أدبياتها تُطرح وتُناقش حتى اليوم، بل وأُلّفت عنها الكثير من الكتب، وأُلقيت عنها المحاضرات، ويندر - حتى يومنا هذا - أن يتحدث سياسي أمريكي، خصوصًا المرشحين للرئاسة، دون أن يتطرق لسيرة لينكولن، أو يستشهد ببعض مقولاته، لأن أي سياسي طموح يعلم أن حديثه عن لينكولن سيجذب الناخبين، وسيرفع من قيمة برنامجه الانتخابي.
انتخب لينكولن لرئاسة أمريكا في عام 1860، وكان تململ الأرقاء السود في الجنوب الأمريكي قد وصل ذروته، نتيجة ما يعانونه من عذاب، على يد الرجل الأبيض، وبعدما بدأ بعض السود الأرقاء يتمردون، ويحاولون الهروب إلى الشمال الصناعي، الخالي من الرق، أسس المزارعون البيض فرقًا شرسة لاصطياد الهاربين، وكانت هذه الفرق تلاحق السود الهاربين على الخيل، وتتصيّدهم بالشباك، وتقطع رجل من يتم القبض عليه منهم، وهنا برز دور الزعيم الكبير، إبراهام لينكولن، فقد أدرك بحسه الحاذق أن عليه أن يفعل شيئًا، قبل أن يتفاقم الوضع، وتحدث ثورة تؤثِّر على الوضع المستقر للإمبراطورية الأمريكية الناشئة، وحينها أعلن عن الحرب لتحرير الأرقاء، وهو الأمر الذي كان صاعقًا للأثرياء الإقطاعيين، في الجنوب الأمريكي، وقد انتصر في الحرب، وتم تحرير الأرقّاء، ثم أعاد بناء الولايات المتحدة، لتظل إمبراطورية عظمى حتى اليوم.