أحمد عبدالعزيز الجنيدل
اليوم أمريكا اللاتينية هي أحد أكثر المناطق الساخنة التي تحاول الولايات المتحدة محاربة حزب الله فيها، ولنفهم ذلك علينا العودة إلى عام 1992 حينما اهتزت العاصمة الأرجنتينية على أثر وقوع تفجير طال السفارة الإسرائيلية في المدينة، رغم أن التفجير أودى بحياة تسعة وعشرين شخصًا إلا أن أكثر ما أثار القلق العالمي هو أن وجود شبكة لحزب الله في أمريكا الجنوبية أصبح حقيقة ولم يعد مجرد تحليلات وتخمينات. لكن حزب الله لم يكتفِ بهذا الهجوم، إذ إنه ادخر عمليته الأكبر لعام 1994 حينما قام بعملية انتحارية ضد جمعية التعاضد الأرجنتينية الإسرائيلية. أودت هذه العملية بحياة 85 شخصًا جاعلاً إياه التفجير الأكثر دموية في تاريخ الأرجنتين. قام المدعي العام ألبرتوا نيسمان بالكشف بالتفصيل عن دور إيران وحزب الله في التفجير والدور الذي لعبته السفارة الإيرانية في العملية. لكن المدعي العام الأرجنتيني (وُجد منتحرا) قبل يومٍ واحد من تقديم تقريره إلى المحكمة.
قبل الحادثتين، كان الكثير يعتقد أن حزب الله قوة إقليمية تواجدها محصور في الوطن العربي، لكن التفجيرات والتحقيقات التي تلتها كشفت تجذر واتساع شبكة حزب الله في أمريكا الجنوبية. ظروف نشأة حزب الله في أمريكا الجنوبية هي نفسها ظروف نشأته في لبنان أقصد الحرب الأهلية اللبنانية. فالحرب الأهلية اللبنانية قادت كثيرًا من اللبنانيين إلى الهجرة إلى أمريكا الجنوبية هربًا من الحرب، ونشأت هناك بيئة مشابهة لبيئة حزب الله في لبنان بإمكانه بث أيدولوجيته من خلالها. وجد حزب الله في أمريكا الجنوبية منطقة إستراتيجية فهي تجعله قريبا من الحدود الأمريكية وأيضًا وجد فيها فرصًا تجارية لأنشطته غير المشروعة وحلقة أساسية في عملية غسيل الأموال. حتى نفهم ذلك يجب أن نتصور أولا أن هنالك منطقة في أمريكا الجنوبية تدعى Tri-Border Region أو المثلث اللاتيني، حيث تلتقي حدود الأرجنتين والبرازيل والبرجواي وهي منطقة فوضوية واسعة لا تصل إليها يد القانون وتنشط فيها عصابات المخدرات ومنطقة خصبة لكل أنواع الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة. تشير بعض التقديرات إلى أن حزب الله يجني من هذه المنطقة لوحدها عشرين مليون دولار سنويًا، التهريب وغسيل الأموال والتزوير هي النشاطات الاقتصادية الرئيسية لحزب الله في هذه المنطقة. لكن نشاط حزب الله الاقتصادي لا يتوقف عند هذه المنطقة، بعد عام 2001 اشتدت القبضة الأمنية في ملاحقة الأنشطة الاقتصادية التي قد تستخدم لتمويل الإرهاب في العالم ككل. استطاعت السلطات الكولومبية القبض على رجل أعمال لبناني لإدارته أعمالاً بقيمة 650 مليون دولار لحزب الله في تهريب السجائر وغسيل الأموال بين كولومبيا والإكوادور، وفي عملية أخرى تم القبض على رجل حزب الله في البرغواي الذي كان أرسل 50 مليون دولار في عامين إلى حزب الله وأثناء تفتيش منزله وجدت رسالة من حسن نصر الله إليه فيها إيصال باستلام مبالغ مالية. ربما كان الأكثر إدهاشا هو القبض على تاجري مخدرات لبنانيين في البرازيل في عام 2007 كانت شبكتهم مسؤولة عن تصدير المخدرات إلى أوروبا والشرق الأوسط، وكشفت تحقيقات الشرطة البرازيلية أنهم أعضاء في حزب الله وأن إيرادات تجاراتهم في المخدرات ترسل إلى هناك، وبعد سبع سنوات كشفت الشرطة البرازيلية أن حزب الله تواصل مع أكبر عصابة مافيا في البرازيل PCC لتوفير الحماية لهؤلاء في سجون البرازيل، وكان المقابل هو تزويد العصابة بقنبل سي فور وأسلحة أخرى. لكن نشاط حزب الله الاقتصادي الأشد تعقيدًا والأكثر صعوبة في الوصول إليه هو غسيل الأموال، تم القبض على عشرات التجار وفي أكثر من بلد في أمريكا الجنوبية بعدما تبين أن تجارتهم كانت مجرد غطاء لتبييض الأموال وإرسالها إلى حزب الله.
لكن ما دق ناقوس الخطر في الولايات المتحدة هو عندما تم تفكيك خلية لحزب الله في المكسيك، لم يكن واضحًا ما هي أهداف الخلية تحديدًا لكن مجرد إيجاد موضع قدم لحزب الله في المكسيك هو أمر لا تهاون فيه بالنسبة لأمريكا بسبب سهولة التهريب بين البلدين، تاليًا بإمكان حزب الله تهريب الأسلحة والأشخاص داخل الولايات المتحدة والقيام بضربات في الأراضي الأمريكية، وهناك من يعتقد أن هذا هو الهدف الإستراتيجي النهائي للحزب الله من دخوله إلى أمريكا اللاتينية. كل ذلك يجعل محاربة حزب الله في أمريكا اللاتينية محورية للولايات المتحدة.