د. خيرية السقاف
ثلاثة عقود ونيف من السنين، بمهرجاناتها الأربعة والثلاثين التراثية الناجحة اضطلعت فيها «مؤسسة الحرس الوطني» بالشأن الثقافي، والتراثي الحيوي الفعَّال العلامة الفارقة في الثقافة الوطنية؛ (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) «مهرجان الجنادرية»، مذ اختارت له من العاصمة موقعاً رحباً مميزاً، ربطت فيه أجزاء متناثرة، وفتحت فيه صفحات مغمضة، وأشاعت فيه روحاً جمعية، ووطدت به لحمة وطنية من حد السور، لمد الثرى بين أجزاء الوطن بجهاته العديدة، وزواياه المديدة.. بكل ما يقدّمه ماثلاً للعيان، متاحاً للآذان، بين أيدي المريدين للشعر، والثقافة، والحوار، والاقتناء، والمعرفة، بإرادة العمل، وشغف الإحياء لإرث الوطن الزاخر، الوافر..،
عمل جبار وتاريخ ثري لمؤسسة «الحرس الوطني» بمهرجان الجنادرية الثقافي، التراثي، التاريخي، الواقعي، بكل مكوناته، ومكنوناته، كان ثمرة جهود فائقة في العطاء، والصبر، والمثابرة، بها وقف الكثير من الرجال، والعديد من النساء ليكون لاسمه الأثر، والصدى، والبصمة الراسخة، ما أكد حضوره السنوي، فجعلوا لموعده وقعاً نابضاً في الأذهان، منذورة له الأوقات، والرغبات، حيث جميعهم يقدِّمون فيه الوطن مختصراً في «أوبريت» غنائي، وفي مثول أجزاء الوطن مختصرة في «أركان» تشمل كل خصائص مناطقه، بعاداتها، ومقتنياتها، وإرثها الثقافي، والتقليدي، والمبتكر تمثِّل في أيامه المنتقاة، وفي محاضراته، وندواته، ولقاءاته الثقافية، والأدبية، وأنشطته المختلفة، ونشراته الإعلامية، ومطبوعاته التوثيقية..
إن مؤسسة «الحرس الوطني» بذلت له الكثير بأعضائها من القمة للجندي الصغير، لسائق العربة، والحافلة، لمشرف السير، ومعد الوجبة، لمقدِّم الحفل، وشاعر الموقف، لصانع الفكرة، ومتابع الضيف، قد عملوا بكل صدق لصناعة وسم «مهرجان الجنادرية» وصنعوه، أقاموه للشمس فعلا، ووطدوه بالدأب فواصل وثبت..
اليوم انتقلت مهامه، ومسؤولياته للمؤسسة الثقافية المختصة، «وزارة الثقافة»، فما الذي سيكون لهذا الفتى الذي كبر على أيدي صنَّاعه في «وزارة الحرس الوطني»..
التحدي كبير، والمسؤولية كبيرة، والعشم أن تتولاه بكل الجهد، والبذل، لتضيف ما نستشرفه منها من إضافات، وتوسع، وتثبيت، وابتكار، وتجديد، وحفظ، وعناية..
فلقد كان العاملون فيه بنتائج ما لمسناه، وعاصرناه في مواسم المهرجان الأربعة والثلاثين الماضية قد بذلوا الكثير، وقدَّموا الكثير، ودأبوا على التطوير، وحافظوا فيه على أهدافه ثقافياً، وتراثياً، وتاريخياً، واجتماعياً، وتوسعياً حين بُنيت به روابط اجتماعية داخل الوطن، وخارجه..
فهو المنجم الذي شهده، وتفاعل معه كل من حصد فيه معرفة، وعلاقة، وخبرة، ورابطة..
لن ننسى في هذا الموقف شخصاً يعمل بصمت، لا يتعرّض للضوء، يبذل طيلة السنة من أجل هذا المهرجان دون أن يتفرَّد بذات، في الخلية واحد، وفي الكل هو، هذا النموذج للرجال الخُلَّص لأعمالهم، النموذج للمسؤول النزيه هو الأستاذ «سعود عبدالله الرومي» مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة» الذي عاصر المهرجان منذ 1405 وحتى آخر ثمرة في عذوق نخلته الشامخة، ولسعود الرومي العديد من المؤلفات المختصة في التراث، والإصدارات المعنية بنتاج المهرجان، كما له إسهاماته في مهرجانات مختلفة في دول عربية وخليجية، وهو قد حصل على دورات عديدة مختصة بالتراث منها دورة «ميادين ونظريات علم الفلكلور» بجامعة أنديانا الأمريكية، ودورة» أطلس المأثورات الشعبية» بجامعة القاهرة، كما أنه عضو فاعل في الجمعيات المختصة بخبرته..
اليوم ومهرجان التراث الوطني قد وضع في كفة مؤسسة الثقافة، فإننا ننتظر أن يكون الميزان راجحاً بتحدياتها..
الشكر، وكل التقدير لوزارة الحرس الوطني، بكل من يعمل فيها، وعمل أربعة وثلاثين عاماً لنجاح هذا الوسم العلامة الفارقة في ثقافتنا، وفَّقهم الله، وليوفِّق من خَلَفَهم له.