د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عندما تشرق الشمس، تنير أشعتها المكان الذي تسقط عليه، فيعتليها ذلك الجزء من الأرض بمن يعيش فوقه من إنسان وحيوان ونبات، وأبونا إبراهيم لما رأى الشمس بازغة، قال هذا ربي، ولما أفلت قال إني لا أحب الآفلين، فكانت أحد الأسباب التي جعلته يهتدي إلى الإيمان بالخالق عز وجل.
والمصريون القدماء، وقبل أكثر من خمسة آلاف سنة، كانوا يرون للشمس مقاماً غير عادي، حتى أنهم يرسمونها على بعض المجسمات، مما يعبدون مثل العجل المسمى «أبيس» الذي تظهر صورة الشمس في مثلثٍ، رسموه في مقدمته، وكانت أضرحتهم تتجه إلى الشمس، حتى أنهم اتخذوا الضفة الغربية من النيل ليستقبلوا شروق الشمس، وفي زمن الفرعون إخناتون الذي آمن بإله واحد، ظل للشمس مقامها.
جعل الله النهار معاشا، لهذا فبعد شروق الشمس يذهب الطالب إلى مدرسته، والموظف إلى وظيفته والعامل إلى معمله، أو موقع عمله، وهناك قليل من الناس قد يحول دون انطلاقة صباحية ظرف صحي أو غيره، وهناك من يمكث في سباته حتى تغيب الشمس أو تكاد لسبب أو لآخر.
هنا يتباين الناس بين مخلص مجتهد، ومهمل كسول، وعارف جسور، وقادر خائف، وفطن لبق، وألمعي خشن الطباع، وهذا قد يجني من جهده شهداً، وذاك قد يقطف حنظلاً وسُهداً، هناك من يسعى في الخير وللخير، ويمشي في قضاء حاجته وحاجة الناس، وييسر ولا يعسر إن كان في مكان يسمح له بذلك، ويسلك من الطرقات أسهلها، ومن السبل أهونها، ويلتمس الأعذار لمن أخطأ، كأن يقول لعله اجبر على هذا، أو قد غوى، فعاد واهتدى، وهناك من يلتمس أوعر المسالك، ويردي بالناس إلى المهالك، كما يفعل الإرهابيون في كل مكان.
في العمل وفي الشارع وفي المتجر، يختلط الناس معاً، ويتعاملون، وهنا تتضح معادنهم وتظهر مشاربهم، وتتجلى صنائعهم، فهناك من تعلو وجهه الابتسامة، ويسعد بالاستقامة، يميط الأذى عن الطريق، ويأنس به البعيد والرفيق، يسير في سكينة ووقار، لا تسمع له صوتاً مجلجلاً، ولا لغيره مجادلاً، سهل في أخذه وعطائه، سمح في بيعه وشرائه، وهناك من تراه متجهم الوجه، لا تعرف الابتسامة إلى محياه سبيلاً، وكأنه قد حمل الناس على كتفيه، يسير في زهو عظيم، عتل متكبر لئيم، مناع للخير، خال من البر، يتلمس الخطأ ليقنصه، عند كل شروق شمس تتقابل هذه الأجناس وتتساقى بما لديها من طبائع وراثية تراكمت عبر الأجيال، وما نالته في بيئتها المحيطة من إيمان، وقيم، وعادات، لتتجلى لنا ثقافة مجتمع يعيش مع بعضه البعض، ولا بد من ذلك المبتسم السمح من التعامل مع ذلك المتكبر خشن الطباع، وتسير الأيام وهكذا، وفي الغالب، فإن ذلك السمح، يقتصر الخطوة، ويتجنب المواجهة، ويتغاضى عن الكثير من الأفعال غير المحمودة، ومع الوقت قد تسود تلك الطبائع الخشنة، لهذا كان ميدان النصح والحث على مكارم الأخلاق والتسامح من أهم الأدوات لإيجاد مجتمع أكثر مودة ورحمة وحسن خلق، وأهم من ذلك التطبيق، إظهار القدوة الحسنة لأنها الأساس في تحسين أداء المجتمع العملي والأخلاقي، ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي، لمن لديهم متابعون كثيرون، تعتبر منبراً جيدا لبث روح التعامل الإيجابي بصورة مباشرة وغير مباشرة، ليبتعد هذا الجيل الناشئ عن المتكبر والمتزمت، والانزلاق حول التيارات الإرهابية الظلامية الضالة، وغيرها.
وعندما يحل الغسق وتغرب الشمس وتختفي أشعتها، ويسدل الليل ستار ظلامه، ويصبح الليل سباتاً، فهنالك في قديم الزمان، من يشعل شمعة ليقرأ كتاباً من كتب العلوم المختلفة، أو يطرق باباً من أبواب الله المشرعة، أو يضيئها لأمور أخرى الله أعلم بها، ولكن الأسوأ من أولئك الذين يستخدمون هدوء الليل وظلامه لنسج خيوط المؤامرات، وترتيب حبائل المكائد، كما يفعل الإرهابيون في استراحاتهم مستخدمين ظلمة الليل ستاراً لفعلهم المشين، ولكن - بحمد الله - ففي الأغلب أن كيدهم ينكشف قبل أوانه، ولا يفلت منه إلا اليسير الذي لا يكاد يذكر.
في المساء يطيب الحديث بين الأزواج، وربما يأنسون مع بعضهم البعض، وفي آخر الليل هناك من يعينه الله على قيام الليل والتبتل، ومن ثم الذهاب إلى المسجد عندما يبزغ نور الفجر، ويلوح الشفق وتغرد الطيور، لتعيد الحياة دورتها، وهي بعد ذلك تكون حصيلة يوم وليلة، فمن يوفق للخير فإننا نحسبه قد غنم، ومن كان غير ذلك نرجو له الهداية، وبعد كل هذا الشفق والغسق، والإشراق والظلام، ستتقرب الأرواح ويعود الإنسان إلى التراب، كما بدأ ويجد أمامه ما فعل، ورحمة الله واسعة، ويخلّد في دنياه ما أورثه من خير أو ولد صالح، أو سنة حسنة، أو علم ينتفع به، كما هو موجود بين أيدينا من كتب ومخترعات ظلت تخدم البشرية أجيال عديدة.