محمد آل الشيخ
الثورجيون في أي زمان وأي مكان لا بد أن ينتهوا ببلدانهم إلى الهزائم الكارثية. صحيح أنهم أكثر القادة استقطابًا للجماهير، والشعبوية، والأتباع، وهم في الغالب خطباء مفوهون، لكنهم في نهاية المطاف يسوقون بلدانهم إلى هزائم منكرة، يكون أثرها السلبي في وجدان الشعوب عميقًا، ولا يزول بسهولة. وسأتحدث هنا عمن عاصرت من القادة الجماهيريين، الذين جعلوا من الثورات الديماغوجية ديدنًا لهم، وانتهوا بشعوبهم لكوارث، بقيت عقودًا قبل أن تنساها الأجيال. وسأتحدث في هذه العجالة عن ثلاثة من هؤلاء، أولهم عبدالناصر في مصر الذي باء بهزيمة ثقيلة من إسرائيل لم تستغرق سوى ستة أيام، وما زالت كوارثه على المستوى الاقتصادي ينوء بها الاقتصاد المصري حتى اليوم. الثاني القذافي غريب الأطوار الذي يعاني من مشاكل سيكوباتية وأوهام، جعلت ليبيا الدولة الثرية بمقدراتها وموقعها الجغرافي دولة متخلفة، وعندما سقط تشظت إلى أشلاء؛ لأنها ببساطة دولة بلا مؤسسات ولا بنية تحتية سياسية، سوى شعارات الثورة. الثالث صدام حسين الذي بلغ من الشعبوية بين العرب ما جعله يظن نفسه أن صلاح الدين قد بُعث في شخصه من جديد، وتحدى العالم، لكنه بمجرد أن تجلت الحقيقة التي لم يكن يريد أن يراها إذا هو أوهن من بيت العنكبوت، كجرذ مختبئ في جحره خوفًا وهلعًا من واقعه الذي زيفه، واكتشف متأخرًا أنه مجرد كذبة قالها المتحلقون حوله، وصدقها، وأصبح يتصرف منطلقًا منها على اعتبار أنها حقيقة.
الآن ظهر علينا ديكتاتور إيران وطاووسها المعمم (علي خامنئي)، وهو لا يختلف عن الديكتاتوريين الثلاثة سالفي الذكر، اللهم إلا في (الأيديولوجيا). ولا أخفيكم أني أدعو الله - جل وعلا - أن يمد في عمر هذا الديكتاتور المغرور حتى يخلصنا، ويخلص العالم أجمع، من هذه الدولة الكهنوتية الفاشية، وتعود إيران دولة مدنية منسجمة مع العصر ومع محيطها، ونرتاح من أحلامها وأوهامها غير المعقولة.
العالم لا يمكن أن يحتمل خامنئي، ولا المحيطين به؛ فهو يرى إيران دولة (إمبراطورية)، تتدخل في شؤون غيرها، ورسالته ليست التنمية، والارتقاء برفاهية الإنسان وأمنه واستقراره، بل يرى أن أوجب واجباتها أن يشيع العالم الإسلامي، من طنجة إلى جاكرتا، حتى ولو كلفه هذا الهدف إبادة نصف الإيرانيين. ففي قاموسه أن الفقر والجوع ليسا قضيته، إنما قضيته أن يكون المذهب الشيعي هو المذهب المتسيد على جميع المسلمين، حتى وإن كلفه كل موارد إيران ومدخراتها. وكان الرئيس الأمريكي الآفل بارك أوباما يظن أن إيران إذا تصالحت مع العالم ستنصرف إلى تنمية بنيتها الاقتصادية؛ لذلك وقّع معها الاتفاقية النووية انطلاقًا من هذه القناعة الخاطئة والساذجة، لكن خامنئي بمجرد أن استلم المليارات التي كانت مجمدة من الولايات المتحدة انصرف إلى تسليح وتقوية أذرعة إيران في الخارج، وترك الإيرانيين يتضورون جوعًا. ولعل أهم إنجاز حققه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من اتفاقية إيران النووية، وأعاد العقوبات، وبدأ بتضييقها يومًا بعد يوم، حتى يقولون إن التضخم في إيران تجاوز 75 % في المائة، وغليان الشعب يتزايد، غير أن علي خامنئي هو صاحب القرار الأخير، ومثله مثل كل الديكتاتوريين الذي عرفهم التاريخ، عنيد، ويتصور أنه يستطيع أن يصنع المعجزات، وأن الدولة الشيعية الكبرى قاب قوسين أو أدنى. وفي تقديري إن عناده هذا وبُعده الكبير عن الدبلوماسية والحصافة يصب في نهاية الأمر في صالحنا؛ فلا أخفيكم أني أخاف أن يموت، ولاسيما وهو رجل طاعن في السن، ويخلفه رجل يعرف من أين تؤكل الكتف، ويمتص غضب العالم، ويرفع الأمريكيون عنه العقوبات، وتبقى إيران يتربع على عرشها هؤلاء القادمون من القرون الوسطى. بقاء الخامنئي منتفشًا متغطرسًا مغرورًا عنيدًا في هذا الزمن كفيل بإسقاطه وإسقاط نظامه.
إلى اللقاء