لطبخ أكلة المحشي سواء من الكوسا أو الباذنجان أو غيرها لا بد من تفريغ ما بداخلها ومن ثم وضع الحشوة التي نحبها بالنكهة والمحتويات المفضَّلة. وللأسف بعضنا يعامل عقله وعقول الآخرين وردات فعلهما معاملة الطباخ مع الكوسا، فنسمح لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والآخرين بحشوها حسب رغبتهم وتوجههم، نسمح لهم (أحياناً) بتفريغ قناعات سابقة وقيم وعادات وولاءات واستبدالها بخلطة ومعلومات حسب الجهات التي تريدها، لذا نشهد ردات فعل وآراء وسلوكيات لا تتناسب مع مجتمعاتهم ولكنهم تعرَّضوا لعملية التفريغ وإعادة التعبئة. فنشاهد الكثير من النقاشات والرسائل في مختلف وسائل التواصل الاجتماعية تتعامل مع آرائها وقناعاتها وكأنها حقيقة دامغة وتريد أن تحشو عقول الناس بها ولا تسمح بالاختلاف أو وجهات نظر أخرى مهما سقت له من أدلة وبراهين ووجهات نظر نلاحظ ذلك في:
- الآراء والتحليل الرياضي وما يتم من مناقشته والاختلاف عليه علماً بأنه في بعض الأحيان يكون الرأي جلياً وواضحاً لا سيما في بعض القرارات التحكيمية، ولكنهم يتحاورون ويتناقشون وكل يريد أن يفرغ عقل الآخر ويحشوه بالمعلومة التي يريد بجدال عقيم وتسطيح لكل رأي معارض واستدلالات في غير محلّها.
- النقاشات والآراء حول التغيّرات الاجتماعية الأحداث السياسية، كأن كل شخص هو الذي يملك وجهة النظر الصحيحة والرأي الصائب والعلم المطلق متأثرين بما يتناول في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وبتغييب كامل للمنطق والعقل.
- عند نزول هاتف جديد أو سيارة أو جهاز كمبيوتر، نرى كلاً يدلي برأيه ويتمسك بأن معلوماته هي الصحيحة ولا بد أن تتبناها حتى ولو كانت المعلومات والدلائل عكس رأيه لذا لنحرص على معاملة عقولنا وعقول الآخرين بالتفهم والاحترام والإيمان فهي مليئة بالمعلومات نتيجة السنين والخبرات والقراءة والاطلاع ومخالطة الناس وسماع وجهات نظرهم، ومهما حاولنا من التأثير والتعديل والتغيير في الآخرين فإن مصدات الدفاع هي من تقاوم ذلك، فالتغيير يحتاج إلى معلومات واضحة ووقت وقناعة ونقاش وأولى خطوات التغيير هي تقبل آراء الآخرين واحترامها وتفهمها والاستفادة منها بعيداً عن رفضها والاستخفاف بها بمجرد أنها لا تعجبك، والمقولة الطريفة (لا تحاول إقناع البقرة بأن الموز الذي من العشب ولكن حاول إقناع نفسك بأنه لا دخل لك بما تحبه البقرة)، ولنؤمن أن العقول ليست كوسا أو باذنجان نستطيع تفريغها ومن ثم حشوها حسب مزاجنا وآرائنا ووجهات نظرنا وبما نحب أو نكره ولنفعل مبدأ أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية بدل أن نتعامل وفق إما معي أو ضدي، علماً بأن حشو الكوسا أو الباذنجان مكوناته تختلف حسب البلد والطباخ، فلنعامل عقولنا وعقول الآخرين بأنها حتماً تختلف حسب العمر والنشأة والتعليم والقراءة وهي ليست كوسا قابلة للحفر والتفريغ والحشو.