سلمان بن محمد العُمري
خلال الخمسة عقود الماضية جاء إلى المملكة العربية السعودية مئات الملايين من البشر ومن مختلف البلدان واللغات والثقافات رجالاً ونساءً للعمل في بلادنا ومنهم من بقي لعقود عديدة بيننا وما زالت بلادنا ولله الحمد بيئة جاذبة للعمل والاستقرار المعيشي بفضل من الله عز وجل ثم بما تنعم به من أمن وارف وارتقاء اقتصادي ويسر المعيشة على الرغم من أن هناك بلدان قد يتوافر فيها ما لا يتوافر لدينا من أمور نحمد الله أنها ليست عندنا ومنها حرية شرب الخمور وغيرها من المحظورات الشرعية.
ويضاف إلى هؤلاء الذين يأتون للعمل ضيوف آخرين هم ضيوف الرحمن الذين يأتون للحج والعمرة وتعدادهم كثير إلا أن الفارق بين الفريقين أن من يأتون للعمل هم من المسلمين وغيرهم، والحج والعمرة لا يأتي لها سوى المسلمين إلى جانب أن رحلة الحج والعمرة تمتد إقامتها من الأسبوع وحتى الشهر فهي ليست إقامة دائمة.
وللأسف فهناك قلة قليلة من الزائرين والمقيمين من يحفظون الجميل ويقرون بالمعروف ويشكرون ولا ينكرون ما يرونه من تسهيلات وخدمات وأمن وأمان وغير ذلك من الأمور التي تستوجب الذكر والشكر.
يروي أحد الإخوة أنه خلال دراسته في إحدى الولايات الأمريكية اضطر لمراجعة مستشفى لعلاج زوجته وصادف أن التقى ممرضة فلبينية غير مسلمة سبق لها العمل في المملكة وبمجرد أن رأت الزوجة وعرفت أننا من المملكة فكأنما أنها رأت أحداً من أسرتها وسردت لزميلاتها الممرضات من الجنسية الأمريكية سعادتها وذكرياتها الجميلة في المملكة ورخص المعيشة وطيبة الناس وأن العشر سنوات التي قضتها فيها من أفضل سنوات المعيشة في حياتها، ثم قالت إن صفحتي في الفيسبوك مليئة بتخليد الذكريات الجميلة مع زملاء العمل، ومع المرضى، ومع الجيران، إنها مملكة الحب والأمن والسعادة ومن أبسط الأشياء الكرم لدى الصغير والكبير، والغني والفقير، وأذكر أنني لم أشتر في الرياض قطعة شوكلاته أو ورداً فالمرضى ومن معهم من المرافقين يغدقون عليك بكلامهم الطيب وابتساماتهم قبل هداياهم، هنا لا حلوى ولا ورد لا للمرضى، ولا لغيرهم بل إن المريض يمكث في المستشفى مدة طويلة لا يزوره أحد بينما المريض لديكم يزوره أهله وزملاؤه وجيرانه.
ويعضد هذا القول مقطع مرئي لفلبينية أخرى عملت في المملكة وسجلت بالدموع لحظات وداعها لبلادنا في مشهد مؤثر للغاية لو كتبته حينما غادرت بلادها وأهلها لقيل إنها أوفت في المحبة والجميل فكيف وهذا الشعور وتلك المشاعر في بلد عملت فيه لفترة قصيرة، والمشاعر الطيبة والشواهد الحية للوفاء وحفظ الجميل وإن كان قليلاً إلا أن ما يذكر منه وما دون عنه يستحق الإشادة لأنه وفاء في زمن قل فيه الوفاء.
والعجب أن تجد من غير العرب والمسلمين الوفاء وحفظ الجميل والشكر على المعروف في حين ينعدم هذا من الشقيق والقريب وهو مخالفة لما جاء في ديننا الحنيف فقد أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم بألا ننسى الفضل فيما بيننا، وأن ننسِب هذا الفضل إلى أهله، قال الله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}. كما قال الله تعالى {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «... ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه»، وللأسف ليت الأمر توقف على نكران الجميل وعدم الحديث عنه بل ربما تعدى للاستطالة والذم ومجاراة الناعقين ضد بلادنا والإساءة إليها بذكر ما ليس فيها لينطبق عليهم المثل القائل: اتق شر من أحسنت إليه.
إن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة.. على المرء من وقع الحسام المهند، كما قال الشاعر، وبكل تأكيد فالمملكة قيادة وشعباً لا ينتظرون من أحد جزاءً ولا شكورا وأولهم من تم الإحسان إليهم بإيوائهم وتشغيلهم وتعليم أبنائهم ودعم بلدانهم المستمر، ولكنهم في مواقع التواصل الاجتماعي ما برحوا يسيئون لبلادنا ويتنكرون لما قدم لهم ولعله ينطبق عليهم قول الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا