حمّاد السالمي
* كتبت هنا يوم الأحد الفارط تحت عنوان: (هنا طهران.. من بيروت.. http://www.al-jazirah.com/2019/20190721/ar2.htm). كنت أتحدث عن عنتريات (حسن نصرالله رئيس حزب الله اللبناني)، الذي ارتضى أن يكون أعجميًا في بلده لبنان، وفارسيًا بين العرب، وممثلاً لخامنئي في عداء ملالي إيران لدول الخليج وكل العرب. تطرقت في الحديث إلى المسخ الذي تتعرض له عروبة المجتمعات في لبنان وسورية والعراق واليمن، وما يهدد بقية الشعوب العربية على هذا المنوال في المستقبل. لبنان كانت الضحية الأولى بفعل حزب الله ورئيسه المتفرس حسن نصرالله، ولهذا كانت التعليقات على المقال تنطلق من لبنان وتعود إليه.
* واحد من هذه التعليقات؛ حمل الكثير من الرؤى المفيدة في هذا السياق.. صديقنا الدكتور (عمر بن عوض المشعبي)؛ ابن الطائف البار ورئيس بلديتها الأسبق، شرح المشكل اللبناني عبر أزمنة ثلاثة، كما لو كان ابن لبنان العربي الذي كنا نعرفه منذ عقود مضت. هنا أردت أن أتنازل عن بقية المساحة لهذا التعليق.. المقال.. لأهميته، وفائدته. ماذا قال..؟.
* عزيزي أبا أكرم.. لبنان وما أدراك ما لبنان. قرأت ماضيها، وعشت حاضرها، وأخاف على مستقبلها. ماضيها كان مشرقًا؛ لأنها كانت بلد الحضارة بكل معالمها: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. بلد الرواد في كل المجالات. بلد ليس في قاموسها: من أين أتيت..؟ بل من أنت..؟ حتى أصبح اللبناني عنوانًا للنجاح. وهذه تحتاج إلى مؤلفات تحكي قصص إبداعاتها. هذا النجاح كانت تشترك فيه كل الطوائف الدينية والعرقية، عدا الطائفة الشيعية التي كانت تفتقر إلى المقومات التي تساعدها على الانخراط في هذا المجتمع الحضاري. فلا تعليم، ولا ثقافة، ولا مال، ولا خبرة مؤهِلة، ولا حضور على الساحة. لبنان.. حاضرها البعيد كان قريبًا من ماضيها المتميز. ولكن.. اندلعت حرب أهلية عبثية. حرب تآمرية خبيثة. فرقت بين مسلميها ومسيحييها أولاً. ثم تعمقت داخل هاتين الفرقتين، وأصبحت تفرق بين أبناء الطائفة الواحدة. وعلى سبيل المثال؛ كانت هناك حرب إلغاء بين حركة أمل الشيعية التي أسسها الإمام الشيعي العروبي موسى الصدر وبين حزب الله. هذا المثال ينطبق على المسيحيين أيضًا وبطريقة أعنف. وبسبب هذه الحرب؛ هاجر الفكر الحضاري من لبنان؛ وتركه في أيدي أمراء الحرب الفاسدين من جميع الطوائف. وبسبب طول أمد هذه الحرب؛ أصبحت تلك الهجرة هجرة دائمة لا عودة فيها، بسبب تحكم أولئك الأمراء الفاسدين بكل جوانب الحياة في لبنان، التي كانت تعاني انهيارًا في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. في هذه الأجواء الموبوءة؛ التي لا يعيش فيها سوى الفاسدين؛ وجدت إيران فيها الفرصة المناسبة لإكمال محورها الذي تحلم به. محور تصل به إلى مواجهة الغرب من لبنان، بعد أن تسيطر على سورية العلوية والعراق التي ستكون شيعية. ولتنفيذ هذا المخطط؛ بدأت هي وأدواتها في المنطقة؛ بالقضاء على الرموز الشيعية العروبية في لبنان، وعلى رأسهم الإمام موسي الصدر؛ فخططوا مع القذافي لإخفائه خلال زيارته لليبيا، فاختفى. ولا يعرف مصيره حتى الآن. ثم بدأوا باغتيال رموز الطوائف الأخرى. اغتالوا زعيم الدروز وقائد الحركة اليسارية كمال جنبلاط. اغتالوا الرئيس الماروني القوي بشير الجميل قبل أن يبدأ بتنفيذ خططه للقضاء عليهم. اغتالوا المفتي السني المؤثر حسن خالد. اغتالوا رئيس الوزراء السني رشيد كرامي. ووزعوا الاتهامات بين الطوائف الأخرى لكي تستمر الحرب الأهلية. وعندما برز رفيق الحريري كمايسترواتفاق الطائف؛ الذي توقفت الحرب الأهلية بسببه، وكذلك كمهندس إعادة بناء لبنان من جديد؛ اغتالوه بعد اغتيال أول رئيس جمهورية انتخب بعد الموافقة على اتفاق الطائف. ثم استمروا في اغتيال كل صوت حرّ من كل الطوائف، حتى لا يبقى في البلد من يقف في وجه مخططاتهم.
* نعم.. أمر فظيع.. وجدوا ضالتهم لقيادة مخططهم الاستعماري في شاب شيعي، مؤمن بولاية الفقيه، وبارع في شد العصب الشيعي هو (حسن نصرالله). فأعدّوه إعدادًا جيدًا، وزودوه بالمال والسلاح؛ لكي يستولى على مفاصل الدولة اللبنانية، في ظل غيابها وخلو الساحة من المنافسين، إما بسبب اغتيالهم، أو لهجرتهم، أو لتفرقهم. أما بقية الشعب؛ فقد انصرف للبحث عن أعمال تساعده على العيش في ظل أجواء ضائقة مالية تعيش فيها البلاد.
* خطوة فخطوة.. بدأ حزب الله يتحكم في مفاصل الدولة.. مركزًا على إشاعة الفرقة العمياء بين فئات المجتمع الأخرى، بإلصاق صفات الفساد والتقصير والعمالة بممثلي تلك الفئات؛ حتى أصبح المسيحي عدو المسيحي.. والسني عدو السني.. والدرزي عدو الدرزي.. ومن يقاوم يُردع حتى بالتصفية الجسدية. وقد توصل هذا الحزب؛ إلى أنه هو من يعطل تعيين رئيس الدولة المسيحي، ورئيس الوزراء السني. بل هو من يختار رئيس الدولة؛ كما حدث مع الرئيس (ميشال عون)؛ حينما قال: إن الرئيس هو عون أو لا أحد، وبعد سنتين من الفراغ الرئاسي؛ وافق المعارضون على تعيينه. وأوقف اكتمال نصاب مجلس الوزراء عدة أشهر، حتى يوافَق على شروطه.. ولكن هناك بصيص أمل، فالحزب الآن في أزمة بسبب انخفاض الدعم المالي الإيراني له نتيجة العقوبات الأمريكية على إيران. هذا الدعم هو شريان الحياة بالنسبة له.
* أما مستقبل هذا البلد المنكوب؛ فمن الصعب استشرافه. فهو إما (منًّا) من المولى سبحانه وتعالى؛ بأن يدخل الحزب في حرب مدمرة مع إسرائيل بإيعاز من إيران؛ فتعلن هذه الحرب القضاء عليه وعلى شروره المنتشرة في العالم؛ أو (فداءً).. فيفدي الشعب اللبناني بلده بالتخلص من التبعية المطلقة لهذا الحزب، حتى لا ينهار هذا البلد بسبب الضائقة المالية الخانقة التي يمر بها. خاصة في جو الانقسام والتباين الحاد بين الكتل الممثلة في الحكومة اللبنانية، والتي بدأت تفقد ثقة الناس بها، وتمكنها من معالجة هذا الوضع المتأزم.