يوسف المحيميد
من يتأمل أعمال الفنان التشكيلي فهد النعيمة لأول مرة يعتقد أنه جاء فجأة إلى أسلوبه التعبيري المغامر من فراغ، وأن رسمه للإبل، أو القافلة المقبلة نحو المتلقي هي مجرد خطوط فنان نزق، جاءت معه ضربة حظ ذات يوم، فأنجز معرضه الشخصي الثاني «إبل» عام 2016، لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا، فقد بدأ فهد معركته مع اللوحة مبكرًا، منذ خطوطه بأقلام الرصاص على دفتر شقيقه الأكبر، وجسد بورتريهات المغنين الذين يحبهم، ثم تعامل مع الكانفاس ورسم الإبل والخيل بشكل واقعي متقن تمامًٍا، لكنه يدرك في قرارة نفسه، ومن خلال أسئلته التي لا تتوقف، أن الفن شيء مختلف، شيء مغاير، أن ينظر للكائنات والأشياء من حوله بإحساس فنان، أن «يتقن القواعد كمحترف حتى يتمكن من كسرها كفنان» كما يقول بابلو بيكاسو.
هل الفن أن نرسم الأشياء كما نراها؟ أم كما نفكر بها؟ هذا سؤال محوري في الإبداع، رسمًا وشعرًا ورواية ومسرحًا، وهو ما أدركه الفنان النعيمة جيدًا، فهو يرسم الوجوه والإبل كما يفكر فيها، لا كما يراها في قريته، ففي معرضه الشخصي الأول غامر في رسم البورتريه، وحاول أن يصنع أسلوبه الخاص حتى وأن سبقه مئات الفنانين في العالم في رسم البورتريه، لكنه سرعان ما قرر ألا يكفي بأسلوبه الخاص، بل لا بد من موضوع مختلف، موضوع من المكان والبيئة، فجاء موضوع الإبل التي رسمها في البدء كما يراها، وكما رآها قبله فنانون ومستشرقون كثر، لكنه قرر أن يرسمها كما يفكر بها لا كما يراها، وكما فعل قبله التشكيلي السعودي عبدالله إدريس على سبيل المثال، مع يقينه أنه سيفكر بها بشكل مختلف، وبطريقته الخاصة، فجاءت خطوطه المذهلة، خطوطه الطولية الخاطفة، التي وضعته في مرتبة متقدمة في الفن السعودي، ولفت الأنظار إلى منجزه في تقديم الإبل بشكل فني رفيع.
من يتابع الساحة الفنية السعودية جيدًا، سيلازمه شغف السؤال عما يبحث عنه النعيمة في معرضه القادم، خاصة أنه جرب في لوحة يتيمة رسم نقوش الكهوف، ومثلها لفرقة موسيقية، لكنه لم يجد نفسه في هذين الموضوعين، هو يجرب بوعي الفنان وخبرته، لذلك حتمًا سيباغتنا في موضوع مدهش يأسره ويغويه، كما أسرنا وأغوانا في مرحلة الإبل.