د. خيرية السقاف
بعض الناس تحسب في الركض مع الريح انتصارًا لها، أو قوة بها، فيخوضون مع الخائضين؛
والريح هنا، هذه «الزوبعات» التي يثير أغبرتها، ويحرك مستنقعها، ويفتح فَّوَّهاتها كثير من الجاهلين عن قصد، ومعهم ذوو الحميَّة، والميول السالبة، والفهم لكثير من الأمور العامة التي تطفر في المجتمعات البشرية عن جهلهم، أو عن وعيهم.. وفي المجتمع العربي المسلم، حكمة تنبعث عن قيمه الراقية، وثقته السامقة، ويقينه المطلق، ومعرفته لدوره تقول: «اعط الرمح لراميها»، وهو الذي صفَّ الصفوف، وفصل بين المقدمة فيها الذين ينبرون للثغر، وبين المؤخرة التي تتأهب بعلم بمعنى تقديم العالم، وذوو الفضائل، والمعلم، والقائد، والمربي، وكل ذي علم ليكون النبراس، والبوصلة..
فلكل أمر في وعيه خاصته، ولكل موقف خبراؤه الموغلون في فهمه، القادرون عليه..
ولأن أغلب هؤلاء قد تأخروا، وتقدم أكثر الجاهلين شاعت البذاءة، والتطاول، والتحقير، والتنابز، والفئوية، وانبرت سفاهة السفهاء، وأخذت الوسائل سبيلها في إشاعة الهش، والضحل، والداكن..
ونسي كثير من العقلاء النبراس في قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، في غير ضعف ولا ذلة، وإنما ترفعًا، واستعلاء، ما أفسح السبل للجاهلين ليثيروا العواصف، ويشيعوا الأغبرة، ويتمادوا مكثرين اللغو، منتصرين للباطل يعادون، ويتشدقون بما ينشرون في الوسائل المختلفة، وفيهم من يمكرون بنواياهم، لكن {اللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، وإنهم الذين ينبرون لكل فكرة لا تروق لهم، ولكل موقف لا ينال رضاهم، مع أنه ينبغي أن يترفعوا عن الخوض الهش، والمتسطح، والمفرغ من القيم، والخبرة، بل المعرفة العميقة والمكينة، وكذلك من الآخرين الذين يتصدون لهم مندفعين بما لا يليق من القول في مجاراتهم،..
لم يعد يحصل اتباع أفضل السلوك، وأقومه الذي علمهم إياه من خلقهم، من أجل سلام النفوس، والمجتمعات، وعمار الحياة لا دمار العلاقات فيما حث عليه بقوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}..
فالمجتمع البشري الراهن قاطبة بحاجة ماسة لأن يتطهر من أوحال الجهل، وتراخي الأنسجة بين الناس، وطمي العاصفة التي اجتاحت أسفًا أركان أخلاقه، ومست قيمه، وفضائله..
ونقضت أوتاد علائقه حتى بين الأسر، والأفراد فيها.