د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن رؤساء أمريكا الكبار، وكان المقال الماضي عن ثالث الكبار، فرانكلين روزفلت، وهو الذي حصد، بجانب الرئيسين جورج واشنطن وإبراهام لينكولن، المراكز الثلاثة الأولى لأفضل الرؤساء، حسب المؤرِّخين وكل الاستطلاعات الشعبية، إذ إن بعض الاستطلاعات، وعدداً لا بأس به من المؤرِّخين يصنِّفون روزفلت كأفضل رئيس، نظراً للأحداث الجسام التي حدثت في عهده، ونجاحه في التعامل معها كما ينبغي، علاوة على أنه يتميز عن بقية رؤساء أمريكا أنه الوحيد، الذي فاز بأربع فترات رئاسية، وبالتالي حكم الولايات المتحدة لمدة ثلاثة عشر عاماً، وربما لو لم يداهمه الموت، لحكم أطول من ذلك، وكان قبل فوزه بالرئاسة الأمريكية حاكماً لولاية نيويورك، معقل المال والأعمال في أمريكا، ومعقل أسرة روزفلت الأرستقراطية الشهيرة، وقبلها سيناتورا، ومساعداً لوزير البحرية، وقد فعل كل ذلك، دون أن يعلم الشعب الأمريكي أنه مصاب بشلل الأطفال، ولا يقوى على المشي!
لقد حصل روزفلت على شهرته وتصنيفه العالي لسببين، أولهما هو أن عهده صادف فترة الأزمة الاقتصادية الكبرى، أو ما يُسمى «الكساد الكبير»، وهي فترة كالحة في التاريخ الأمريكي، وقد تصدت لها إدارة روزفلت بما يطلق عليه «العهد الجديد» أو «الإصلاح»، وثانيهما، أن روزفلت هو الذي أعلن دخول الولايات المتحدة للحرب العالمية الثانية، وذلك بعد ضرب اليابان لميناء بيرل هاربر الأمريكي، ووفاة عدد كبير من العسكريين الأمريكيين، وهي الحرب التي انتهت بضرب اليابان بالقنابل النووية، وانتصار الحلفاء، وإعلان أمريكا نفسها كقوة عالمية، فأمريكا قبل الحرب لم تكن أمريكا بعدها، ومن ذكريات تلك الفترة أن الرئيس روزفلت أمر بسجن المواطنين الأمريكيين من أصل ياباني خلال الحرب، وعددهم كبير جداً، ومع أن روزفلت حكم لمدة طويلة، إلا أنه رحل قبل أن يتحقق حلمه بإعلان انتصار الحلفاء، فقد كان ذلك من نصيب الرئيس هاري ترومان، نائب روزفلت، الذي خلفه في الرئاسة، والذي حصد ثمرة كل جهود روزفلت الكبيرة، عندما أمر بإلقاء القنابل النووية على اليابان، وإعلان انتصار الحلفاء، وهو الأمر الذي أدخله التاريخ، ولكن الشعب الأمريكي والمؤرِّخين يدركون أنه لو لم يكن روزفلت، لما كان ترومان!