د. عبدالله صادق دحلان
بكل الأسى والحزن يرثي أبناء هذا الوطن الأمير الزاهد بندر بن عبد العزيز، ونقدم عزاءنا لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ولأبناء وبنات الأمير بندر ولأسرة آل سعود أجمعين في وفاة شخصية نادرة ومميزة من شخصيات أبناء الملك المؤسس عبد العزيز طيب الله ثراه، فهو الأمير الأكبر سناً من أبناء الملك عبد العزيز حتى وفاته، وهو الأمير الذي زهد المناصب والكراسي وكره الكبرياء والعظمة حتى كان ينسى أحيانا أنه الأمير ابن الملك المؤسس، عاش وسط المجتمع بتواضعه وخلقه وحسن تعامله مع المجتمع، عرفه الحرم المكي وشهر رمضان على مدار سبعين عاماً وأكثر بالأمير المعتكف جار المسجد الحرام، أحب مكة المكرمة وأحبته أرض مكة المكرمة ودفن فيها، أحب أهل مكة المكرمة وأحبوه وأحبوا أبناءه وأهله لكرمه وحسن معاملته، عرفته منذ ستين عاماً عندما تشرف بيتنا بمكة بزيارته لوالدي رحمه الله وكنت صغيرا مع أخواني ولم نصدق أعيننا أن في بيتنا أميرا أخا لملك البلاد وابنا لمؤسس المملكة، وكنت أنا وأخواني وأخواتي ووالدتي نراقب هذه الشخصية من بعد فرأيناه متواضعا على خلق عظيم، مبتسما للكبير والصغير، مقامه كبير ولكنه يتعامل مع العامة ونحن منهم، كريم في تعامله، جميل الطلعة غير متكلف، ويشرط على من يدعوه بعدم التكلف، يتذوق الأكل المكي ويشرط على والدي بألا يكون وحده على مائدته ويتغدى مع العامة على الأرض عندما كانت ظروفنا غير اليوم، عفيف اللسان طيب الطباع لم نسمع منه انتقادا أو ذما على أحد في مجلسه في أي يوم من الأيام، نزوره في بيته في مكة المكرمة أو الطائف أو الرياض فيستقبلنا وكأننا ضيوف من الأمراء ونحن من العامة، عرفه الوطن بالأمير الزاهد وعرفته الأمة الإسلامية بالأمير الزاهد واقتدى جميع أبنائه بخلقه وحسن تعامله، وهذا هو خلق الأمير فيصل بن بندر والأمير منصور بن بندر والأمير عبد العزيز بن بندر زملاء الصغر، والأمير عبد الله بن بندر وبقية أبنائه من الأمراء، نموذج مشرف للأمراء حفظهم الله.
لقد كان لوالدهم مواقف إنسانية كبيرة يعلمون بعضها ولكن أهل مكة المكرمة القدامى يعرفون مواقفه الإنسانية، فقد كان له (وزير) فاضل رحمه الله، وفي القديم يطلق بعض الأمراء على من يتولى إدارة شؤونهم الخاصة باسم (وزير) وكان وزيره آنذاك رحمة الله عليه الشيخ (السيد صالح شعيب) مسؤول عن شؤونه الخاصة بمنطقة مكة المكرمة وجدة والطائف، وكانت أعمال الأمير بندر الخيرية بمكة المكرمة تقدم من خلال وزيره فكم من بيوت فقيرة عاشت سنوات من مخصصاته، وكم من أزمات مالية لمساجين من أهل مكة ومحتاجين كانت تفرج على يد وزيره من حساب الأمير بندر بن عبد العزيز، لم يكن يرغب الإعلان والإعلام عن أعماله الخيرية لكن وزيره رحمه الله كان يعلمنا عن أعماله سراً.
مات صديقه والدي صادق دحلان عضو مجلس الشورى آنذاك ولم ينقطع سؤاله عن أبنائه، وكذلك يفعل أبناؤه أصحاب الخلق والوفاء، زرت أخي سمو الأمير فيصل بن بندر قبل شهور بمكتبه في الرياض مسلّما فاحتفى بي لمحبة والده لنا وقال لي لولا أن الأمير بندر في المزرعة في القصيم وإلا ذهبنا سويا له سيسر بكم.
تعلمنا من الأمير بندر بن عبد العزيز الكثير من الخلق والعلم والأدب وحسن التعامل وسيظل في قلوبنا ما عشنا، وسيذكر أهل مكة الأمير الزاهد الذي أحب مكة وأهلها حتى أكرمه الله بأن يدفن بأرضها.
رحم الله والدي وسيدي الأمير بندر بن عبد العزيز صاحب الخلق العظيم داعيا الله له بأن يكرمه بالفردوس الأعلى من الجنة.
غفر الله له وحفظ أبناءه وبناته وحفظ لنا الله ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.