سمر المقرن
فوجئت وأنا أقرأ مقالاً لأحد كُتّاب الرأي، ينتقد فيه كثرة حالات الطلاق، ويعزو الأسباب -كما يقول- إلى: «غياب الدور الصارم لأهل الزوجة، حيث كانوا يثقلون عليها الأشغال ويسيئون معاملتها ليجبروها على العودة لزوجها والحفاظ على بيتها وأولادها».. المفاجأة في الحقيقة أن هذا الرأي لو صدر من أحد البسطاء لوضعت ألف عذر، إنما يصدر من شخص يعتبر من النخبة الفكرية وتُفرد له المساحات في الصحافة ليكتب آراءه التي يُفترض أن تكون (تنويرية) فهذا هو هول المفاجأة غير السارّة، فالأخ يدعو الأهالي ويريد منهم أن يسيئوا معاملة بناتهم حتى تعود الزوجة إلى بيت زوجها مرغمة وهي لا تريد الحياة معه، والأخ الكاتب هنا يدعو للعنف ضد المرأة لتختار جحيم بيت زوجها عن جحيم بيت أهلها!
أيضاً الأخ الكاتب الكريم متضايق جداً، من فتح الباب على مصراعيه أمام المرأة اليوم لتحصل على صك الطلاق والنفقة والحرية الكاملة -كما يقول- الغريب أن هذا يراه لمواكبة الفعاليات الترفيهية! ولا أفهم معنى إقحام الفعاليات الترفيهية هنا، فهل هو يرى أن سهولة هذه الإجراءات التي وُضعت للمرأة حتى تتطلق وتذهب إلى حفلة ترفيهية مثلاً؟ بصراحة عجزت عن فهم ربط الفعاليات الترفيهية بإجراءات الطلاق! الأمر المهم في الجملة ذاتها، أن الأخ الكاتب الكريم (التنويري) متضايق من سهولة إجراءات المحاكم الأسرية للطلاق، ويريد أن تبقى المرأة معلَّقة وإن تطلقت لا تأخذ نفقة ولا تحصل على الحضانة، حتى تضطر مجبورة أن تعيش في جحيم رجل لا تريده، وبذلك سوف يتم الحفاظ على البيوت وتقليص حالات الطلاق كما يزعم!
لم تنته كوارث أفكار ومقترحات الأخ الكاتب الكريم في نفس المقال الذي يريد من خلاله معالجة تفشِّي حالات الطلاق، بل يرى أن حقوق المرأة التي حصلت عليها وهي -كما يقول- قيادة السيارة والعمل وإنجاز قضايا محاكم الأحوال الشخصية بسرعة، هي أهم أسباب زيادة حالات الطلاق! بمعنى أن الأخ الكاتب الكريم (التنويري) محتج على هذه الحقوق «الأصيلة» ويريد أن تعود المرأة إلى البيت وتبقى تحت احتياج الزوج حتى تعيش معه وإن كان سيئ المعشر أو مدمن مخدرات أو عاجزاً جنسياً، فهذه الأمور ليست مهمة في نظره، المهم أن تبقى في بيت زوجها وتتلقى الإهانة و»تنثبر» وتحمد ربها إن الأكل والشراب قد تم توفيرهما لها!
مثل هذه الآراء، قد تكون متداولة لدى شريحة قليلة من البسطاء، لكنها تقلَّصت اليوم وتغيَّرت المفاهيم والنظرة إلى الحياة بعد أن أصبحت المرأة شريكاً كاملاً في المجتمع.
ما أثار استغرابي بصدق، أن مثل هذا المقال ينشر في صحيفة مهمة، كان لها دور تنويري كبير وعلقت الجرس على مئات القضايا الحقوقية، فكيف تعبر من خلالها هذه الكلمات الظلامية والأفكار السطحية التي صارت اليوم منبوذة في مجتمع الوعي والنظرة إلى الأمام؟!