د. محمد عبدالله الخازم
شاركنا معالي الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم السابق بمقال حول مبادرات وزارة التعليم إبان عهده كوزير للتعليم الذي استمر ثلاث سنوات، ومجتمعنا لم يتعود من الوزراء الحديث عن إنجازاتهم بعد مغادرة المنصب بفترة وجيزة، وإن كان بعضهم يدون ذلك لاحقًا في سيرته الذاتية ويذكره في المناسبات الإعلامية المختلفة. برر معاليه وفق ما أوضح هو نفي تهمة أنه في الوزارة لم يطبق ما يؤمن به من أفكار دونها سابقًا في كتبه حول التعليم العام والعالي. يبدو أن هذا الجانب يشكل حساسية لدى معاليه رغم أن الأمر طبيعي؛ تطبيق النظرية أصعب من كتابتها!
لا أريد البحث في دوافع أخرى أو تحليل ما كتبه معاليه حول مبادرات الوزارة والعديد منها تحتاج وقتاً لتثمر عنباً أو حنظلا، مع تقديري لغالبية تلك المبادرت. هذا هو ديدن التعليم؛ تتنوع الآراء حول إصلاحه وتطويره، والإنجاز فيه ليس مجرد فكرة أو مبادرة يتبناها قائد أو وزير، بل هي منظومة ثقافية، اجتماعية، علمية، اقتصادية، وغيرها من العوامل، مما قادني إلى الكتابة سابقاً بأن التعليم ليس وزارة ولا يصلح من خلال وزارة واحدة. يهمني هنا إثارة نقاط أتمنى أن يكتب عنها معاليه بشكل أكبر، ليس لغرض المحاكمة ولكن كمحاولة لاستيعاب مفاهيم القيادة الوزارية والقوى البيروقراطية والاجتماعية والإدارية التي تؤثر فيها وتتأثر بها.
لا شك أن معاليه كان لديه أفكار أخرى أو ربما مبادرات قبل أن يصبح وزيراً، وبعضها دونت في كتبه ومقالاته ولقاءاته، فهل كتمها واكتشف عند تسنمه قيادة الهرم الوزراي ضرورة التنازل عنها أو تأجيلها؟ لماذا تنازل عن تطبيقها؟ هل وجد -على سبيل المثال- أن كوادر الوزارة لا تساعده، أم أنها ليست أولويات؟ أم أنها تتعارض مع التوجهات الإدارية؟ أم أنها غير شعبية؟ أم ماذا؟
بعض المبادرات يبدو أنها حظيت بتعثر بيروقراطي -كلمة ألطف من مقاومة- وأهمها في نظري نظام التعليم العالي أو نظام الجامعات الجديد الذي مر بخطوات واجتماعات كثيرة ما بين وزارة التعليم واللجان المشكلة من عدة وزارات ومجلس الشورى وهيئة الخبراء والمجلس الاقتصادي، إلخ. التنظيم الآخر الذي أود معرفة مصيره رغم تكرار المطالبة به من قبل وزارء سابقين هو منح المناطق التعليمية استقلالية أكبر. فهم صناعة نظام كبير وليس مجرد مبادرات وزارية، يمنحنا دروسًا حول تأثير القوى البيروقراطية والإدارية في صنع القرار. نحتاج معرفة تجربة ومبررات ذلك التعثر المتكرر مع أكثر من وزير؛ هل استقلالية الجامعات والمناطق التعليمية يعتبر أمراً نظرياً مستحيلاً تطبيقه في المملكة؟
أخيراً؛ بعد تجربة ثلاث سنوات من الخبرة والخروج من صندوق الوزارة، كيف يرى العمل الوزاري وإمكانية تطوير التعليم؟ ما هي تصوراته للمستقبل كمتخصص ومهتم وصاحب خبرة في قيادته؟ ما الذي يرى أولوية تغييره لو عاد به الزمن؟ لقد كان جريئاً في السابق عندما طرح تصوراته في كتب نقدية، فهل يكون جريئاً بعد أن مر بالتجربة لينتج لنا «حياة في تطوير التعليم» كما أنتج غازي القصيبي -رحمه الله- «حياة في الإدارة»؟