خالد بن حمد المالك
في مثل وفاة الدكتور عبد الرحمن الشبيلي المفاجئة بمكانها وتوقيتها وأسبابها لا أجد من الكلمات ما يسعفني للتعبير عن صدمتي بوفاة رجل بحجم أبي طلال، من حيث الأدوار التي لعبها في حقول عدة، وتخصصات مختلفة، ومواقع مهمة، مرتكزاً الإعلامي الكبير في نجاحه وإبداعه على تجربة ثرية، ومستويات تعليمية عالية، وشخصية جاذبة ومعتمداً في كل هذا على ما تميز به في حياته التعليمية والعملية، وما كان عليه في علاقاته الشخصية من نموذج متفرد.
* *
أقول مرة أخرى - وهو الحاصل على وسام الملك عبد العزيز - إن الكتابة عن الدكتور عبد الرحمن، إذا ما أردنا التعمق في مسيرته، والغوص في أعماق إنجازاته، بأسلوب علمي توثيقي، بعيداً عن العاطفة، والعلاقة الشخصية، هي كتابة لن تغطي كل ما كان عليه الفقيد، خاصة إذا أردنا أن تكون الكتابة عنه موضوعية، وصادقة، ومنصفة، وتحمل دلالات لإعطاء الرجل حقه، بعد أن تركنا، وغاب عن مسرح الحياة وإن لم تغب أعماله الكبيرة الموثقة وما تركه في سجله الوظيفي والعملي من إنجازات ستظل في ذواكرنا، حفظاً وتقديراً وإعجاباً.
* *
غير أن ما يجب أن يقال عن الفقيد، إنه وثق في سلسلة من الكتب ما سوف يبقيه حياً بما كتبه في السنوات الأخيرة من حياته، وأن هذه الإصدارات سوف تظل مراجع مهمة للدارسين والمختصين، ولكل من يريد أن يتعرف على تاريخ وسائل الإعلان السعودية، والمراحل التي مرت بها، بقلم إعلامي متخصص، بالتأهيل العلمي، والممارسة العملية، إلى جانب أعماله الثقافية والاجتماعية، وغيرها، مما كانت ضمن مشاركاته المنبرية، في الأندية والجمعيات، والمناسبات الأخرى المختلفة.
* *
وبقدر ما كان عليه الدكتور عبد الرحمن من حضور إعلامي بارز، يتحدث عن موضوعات تخصصية وفي غيرها، فقد كان لا يغيب عن المناسبات الاجتماعية، يلبي الدعوات، ويشارك في المناسبات، ويكتب عن الشخصيات الفاعلة والمؤثرة والناجحة دراسات معمقة عنها، إنصافاً لجهدها وعملها في خدمة العلم والوطن، ما كان منهم على قيد الحياة، ومن اختارهم الله إلى جواره جل جلاله، فهو - رحمه الله - ذو شخصية إنسانية، يثيره موت من يعرفهم، أو له صلة بهم، أو ضمن من كان له تأثير في حياتنا، فلا يبخل بقلمه عن المساهمة في إنصافهم وإعطائهم حقهم.
* *
عمل أستاذاً في جامعة الملك سعود، ووكيلاً لوزارة التعليم العالي، ومديراً عاماً للتلفزيون، وعضواً في مجلس الشورى، ورئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وعضواً في المجلس الأعلى للإعلام، وغيرها مما لا نحيط به في هذه المناسبة الحزينة التي نكتب فيها فور الإعلان عن وفاته هذا التأبين، وكلنا حزن وأسى إذ يغيب نجم إعلامي وثقافي كبير.
* *
وإذا كان لي أن أذكر موقفاً إيجابياً واحداً ضمن مواقف أخرى كثيرة للدكتور، فلا يمكن لي أن أنسى عندما توليت مهمة إصدار صحيفة الجزيرة من أسبوعية إلى يومية، وكان حينها يعمل مديراً عاماً للتلفزيون، ولم تكن صحيفة الجزيرة آنذاك تملك الإمكانات التي تسمح لها بمنافسة الصحف اليومية التي سبقتها في الصدور، وبين متطلباتنا أن نوثق الأخبار العالمية بالصور المصاحبة لها، وهو ما لا يتوافر في الصحيفة، فاضطررت إلى الالتجاء إلى أبي طلال، أطلب منه أن يخصنا بنسخة من الصور التي تصل إلى التلفزيون، بحكم اشتراكه في الوكالات العالمية، ولم يتردد، مع أنه لا يجوز له أن يفيد بها وسائل إعلامية أخرى بموجب العقد الموقع، لكنه فعل ذلك تشجيعاً ومؤازرة لمولود صحفي
* *
إن وفاة الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، حين كان يقضي في باريس إجازته مع أسرته وبالطريقة غير المتوقعة، ودون سابق مرض أو إجهاد، إنما هي إرادة الله، لكنه خبر محزن، ويمس بالصميم كل من عرف فيه دماثة الخلق، والإخلاص، وحسن المعاملة، ولا نقول أمام هذه الصدمة، وفي لحظة حزن باكية، إلا أننا راضون بما كتب الله، داعين له بالمغفرة، سائلين الله أن يكون مستقره في جنات النعيم، وإلى أسرته الكريمة نتقدم لها بأحسن العزاء، وتعظيم الأجر، والصبر على ما أصابها وأصاب محبيه، وهذه الدنيا، إنما هي دار مرور لا دار مستقر، فرحم الله الدكتور عبد الرحمن الشبيلي.