د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** استوقفه عنوانُ كتابٍ معنيٍ بما بعد الحضارة «الأوديبيَّة»، وفيه حديث عن انطفاء أو تراجع مدارس التحليل النفسي إثر ظواهر مجتمعيةٍ متسارعةٍ أثّرت في تركيبة المجتمع العربي الأُسْريَّة كما الفردية في عقود السبعينيات وما تلاها؛ فسيطرت الحالات الاكتئابية والانفعالية بعدما تنامى الطلاق واتسع نطاق استخدام حبوب منع الحمل وأطفال الأنابيب والعولمة والحركة النسوية وسواها، واستوقفه أكثرَ من هذا تقديمُ الكتاب بقلم مفكر عربيٍ ذائع فسارع لقراءته مبتدئًا بالتقديم الموجِّه تحيةً إلى المؤلف، وفي هذا حقٌ مستحقٌ.
** جاء الكتاب مقاربًا للثورة النسوية على مسلمات العلاقات التقليدية بين الرجل والمرأة، أو لنقل بين « الذكر والأنثى»، وفي عناوين بعض فصوله: القرابة والعائلة والبيت والمعبد والفردية والسوق والمجتمع، كما الجنسانية في المجتمع الليبرالي والتحليل النفسي بين الأمس والغد، واتضح أن في بعض الزوايا التي سلكها المؤلف نطاقاتٍ فلسفية تستحق التأمل دون أن يتفق معها القارئ بالضرورة؛ فهو يرى أن القرابة توحد الناس وجودًا وتمنعه جنسًا، وعزا التنشئة الاجتماعية إلى سيطرة العقدة الأوديبية، وآمن أن وظيفة رب العائلة الإنجاب المباشر في الزمن السالف وعبر المختبرات والأنابيب حاليًا، وهكذا.
** غادر د. مصطفى صفوان العالم العربي (1921-) فجاءت مؤلفاته متأثرةً بتكوينه المعرفي في مصر وفرنسا، وهو ما جعل آراءه غيرَ متعادلة بين ثقافتين مختلفتين؛ إذ ستظل المسافاتُ متسعة بينهما، «ولكلٍ وجهة هو موليها..»، لتبقى الإشارة الأهم حول مقدم الكتاب: « أدونيس1930م-»؛ فقد كانت تحيته التقديميةُ هجومًا عنيفًا على الدين في المجتمعات العربية الإسلامية الذي رآه نفقًا، وأيقن أن الأزمات الثقافية- الإنسانية ذات جذور دينية، وأن الفرد لا يعي ذاته لعجزه عن تحمل مسؤولية الوعي وتسليم العلم والعمل للخالق، ووصف الكتاب بأنه زلزلة لأسس الثقافة الإسلامية العربية، وقال: إن الإفراط في التدين يتيح المعرفة بكيفية الهروب منه، وتساءل: هل يهبط المسلمون في الدنيا لكي يروا دين الآخرة أم لكي يواصلوا حياتهم بعيدًا عنه وعنها .. الخ.
** جاء التقديم صادمًا لا لتطرفه؛ فأدونيس لم يغادرْ ظلَّه، ولكن: ماهي الرابطة بين محتوى الكتاب وتوطئته، وإذا كان «صفوان» وكذا أدونيس ذوَي رؤية مختلفة فهذا حقهما غير أن تصفية الحسابات -عبر تقديم كتاب يعرض قضية محصورة- خللٌ ثقافي أشار إليه صاحبكم في مقال الخميس الفائت: «قبل الكتابة وبعد القراءة»، إذ جاء تقديم الكتاب الصادر قريبًا (يوليو-تموز 2019م) مسكونًا بالأدلجة التي وأدت موضوعية المحاكمة وحيادية الأحكام.
** سقط مقدم الكتاب في انطفاءات خطابه المؤدلج، ومثله نماذج كثيرةٌ أسقطتها المصالح والمسايرة، وكان لدى مجلة الناقد الصادرة عن دار رياض الريس قبل اختفائها باب ثابت حول الكتب السيئة التي ينبغي تجنب قراءتها، ولعل هذا الباب يعود وفق معالجات هادئة.
** الكتابة براءةٌ وبراعة