د. عبد الله بن عبد الرحمن الربيعي
في عام 1386هـ، كنت تلميذاً في السنة الثالثة في مدرسة الحسين بن علي الابتدائية في قرينين الرياض، ولأول مرة أرى جهاز التلفزيون المؤصد بأبواب خشبية وقد بدأ البث مساءً بأحاديث نبوية يلقيها عبدالرحمن الشبيلي مع صور للمسجد الحرام والمسجد النبوي وأسراب الحمام. ورغم وجود علاقة بين أبويَّ وأبويه إلا أنني لم ألتقه وجهاً لوجه إلا من خلال وسائل الإعلام.
وفي أثناء أزمة الكويت بعثت حكومة المملكة العربية السعودية وفوداً إلى مشارق الأرض ومغاربها من أكاديميين ورجال أعمال لشرح أبعاد الاعتداء العراقي على الكويت؛ وكنت ضمن وفد توجه إلى باريس برئاسة الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي وعضوية الدكتور فهد العرابي الحارثي والمهندس حرب الزهير رحمه الله. وتسني لي اللقاء بأبي طلال في الطائرة، حيث قطعنا المسافة الزمنية بحديث ذي شجون فتكاملت في ذهني صورته المؤطرة بالذكاء والحياء والتهذيب والرفق والدعة مع تواضع جم وترفع عن السباب والغيبة والتنقص من الآخرين. وقد خصصت له حراسة فرنسية تصاحبه كظله، فطلب الاستغناء عنها لعدم حاجته إلى من يرافقه لأنه يعشق الحرية وروحه بيد بارئها.
* في يوم الأحد 27-5-1411هـ، عقد الوفد السعودي لقاء مع الجاليات الإسلامية في فرنسا دام سبع ساعات في قاعة معهد العالم العربي حضره أكثر من 300 مدعو، منهم أعضاء في السفارة العراقية، حيث ألقى وزير مفوض فيها كلمة استغرب فيها مجيء وفد سعودي من أجل المحافظة التاسعة عشرة التي عادت إلى أمها العراق!.. فرد عليه أبو طلال: شكراً معالي الوزير كان بودنا لو اقتصر الأمر على ما ذكرت، ولكن بيانكم الرسمي التبريري أكد أنكم دخلتم العراق لنصرة ثورة شعبية فيها! فبهت الوزير ولم يكمل.. وأثناء خروجنا أسر في أذن الشبيلي أن كلامه رسمي.
* لقد قاد الشبيلي الوفد السعودي إلى باريس بحكمة رائعة ساعده في ذلك البرنامج الدقيق الذي صممه الأستاذ جميل الحجيلان سفير المملكة لدى فرنسا. ثم توالت لقاءاتي واتصالاتي بأبي طلال؛ في مناسبات اجتماعية وثقافية وكان لا يتوانى عن صلة الأقارب وتقديم التهاني والتعازي حضوراً -في الغالب- أو هاتفياً. ويحرص على عيادة المرضى في المشافي وفي منازلهم.
* أما الشبيلي الكاتب والمؤلف والبحاثة فقضية لا تنتهي؛ فقد استغل تفرغه من العمل الرسمي ليعود إلى مكتبته ووثائقه، يقرأ ويكتب ويناقش ويضيف ويسأل، وكان يحفل بكل ما يصله من قصاصات وتسجيلات ونصوص واتسية، وفرض مكانته في قائمة المؤلفين المعتبرين والكتّاب النيرين متأخراً بعد تجاوزه سن الأربعين عام 1412هـ. وأتقن فن السير بكل مصداقية وأمانة حتى إنه نسي نفسه من التوثيق.. فقال له الدكتور عبدالعزيز الربيعة ذات ضحى: يا أبا طلال لم لا تكتب سيرتك! أنت أولى من غيرك وأكثر إلماماً بحياتك؛ فلم تمض سنة حتى صدر كتابه الأخير «مشيناها خطى» وقد أورد في مقدمته مقولة الشعراوي «إنه يقف على عتبة دنياه ليستقبل أجل الله». نعم إن أجل الله لآت، وكان صبيحة يوم الثلاثاء 27 من ذي القعدة 1440هـ - 30 يوليو 2019م في الرياض الناضرة.
* آخر ندوة اشتركت معه فيها كانت في رحاب كرسي الملك سلمان في جامعة أم القرى في رجب عام 1440هـ، ومعنا الأستاذ الدكتور إسماعيل البشري ،بعنوان: «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز: الإنجاز في مواجهة التحدي والمستقبل».. وكان لنبرات إلقائه، وسلامة مخارج حروفه وفصاحته وقع جميل في آذان الحاضرين والحاضرات، وهذا ديدنه في الندوات ملقياً أو مداخلاً. لم يكن سباباً أو صخاباً أو مقذعاً في رده، كان يبدي رأيه دون أن يفرضه ويتحفظ على رأي الآخر دون أن يجرحه ويستعرض الهنات مع التصويبات دون أن يهين صاحبها أو يستصغره.. صمته جواب وكلامه صواب.
* رحم الله عبده أبا طلال، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.ز وأقترح إطلاق اسمه على الشارع الذي يقع عليه منزله وسكن وزارة الخارجية هذا في الرياض؛ أما في عنزة فمع شكري الجزيل للجنة تسمية الشوارع على إنجازها الأول فإني أتطلع إلى تخصيص شارع باسم الفقيد. وتقبلوا أزكى تحاياي.