فهد بن جليد
أجملُ ما في «مواسم السعودية» أنَّها تضع اللبنات الرئيسة لتأسيس البنية التحتية لاستثمار وازدهار كل منطقة على طريق السياحة والترفيه كصناعة وطنية، وأهمها الاستثمار في العنصر البشري الذي أعتبره المقوم الأول لنجاح أي مشروع سياحي أو ترويحي في أي مكان في العالم، بدليل أن توافر الإمكانات وطبيعة كل شعب تُحدِّد اختيار وجهاتنا السياحية، فالاستثمار في الإنسان هنا - كما أراه - يأتي على وجهين، الأول بالفُرص الوظيفية التي يوفرها كل موسم لأبناء وبنات المنطقة، والثاني بإعادة تشكيل وبناء ثقافة جديدة لهذه المُجتمعات المحلية لتكون على الموعد، لإنجاح هذه التجارب والمواسم واستثمارها لصالح المنطقة وأهلها، وعكس مدى الترحيب والتفاعل وتقبل الزوار والسياح والتعامل معهم بكل حب وود، خلافاً لمنح الزائرين والسواح أنفسهم فُرصة التعرف على الأماكن السياحية في السعودية وأبرز مقوماتها للمُنافسة عالمياً.
اليوم ينطلقُ موسم الطائف وهي أكبر تجربة سياحية وترفيهية وترويجية احترافية شاملة تشهدها المدينة، وهنا أشعر أنَّ مواسم السعودية انتصرت هذه المرَّة للطائف المدينة والجبل وبستان الورد، لتُعيد لها الكثير من هيبتها ومكانتها التاريخية كعروس للمصائف العربية وليس السعودية فحسب، لترسخ هذه المكانة بإبراز العمق العربي التاريخي الضارب في «الجذور» لهذه المنطقة التي احتضنت أشهر أسواق العرب وأكبرها «سوق عكاظ»، بكل ما يعنيه هذا الاسم من مهابة وقيمة تاريخية وإبداعية، تحوَّلت اليوم إلى تظاهرة عصرية يتسابق المبدعون العرب لتسجيل ونقش أسمائهم على صخرتها، إضافة للتنوع الحضاري والثقافي والفني الذي انفردت به الطائف منذ زمن بعيد، عندما كانت مرتعاً للشعراء والفنانين والرسامين تشحذ فيهم الهِمَّم، وتُلهِمَهُم لبلوغ القِمَم، واليوم تعود بحزمة فنية متنوعة لتنافس على صدارة الإبداع من جديد، وكذلك الأمر فيما يتعلق بـ«مهرجان ولي العهد للهجن» الذي يعكس ارتباط هذه المنطقة بالحضارة العربية الأصيلة ويُعيد ذكريات الطائف مضمار سباقات ومنافسات الفروسية والهجن، ولا تحدثني عمَّا تمتاز به طائف الجبل والسهل جغرافياً من أجواء ساحرة وخلابة فتلك قصة أخرى، قديمة بحقيقتها، وجديدة بأفكار استغلالها واستثمار هذا التنوع الجغرافي فيها بإطلاق رياضات تنافسية كتسلق الجبال «الهايكنج» وغيرها، باختصار لا يمكنني هنا حصرُ برامج وفعاليات الموسم، التي تعكس في مُجملها قيمة تاريخية وحضارية لهذه البُقعة الغالية من بلادنا.
قد لا يدرك بعض أبناء الطائف من «الجيل الحالي» أنَّ مدينتهم تصدَّرت المشهد في عقود خلَّت، كانت فيها الوجهة الأولى للسائح السعودي والخليجي، واليوم هي على الموعد ليعود لها هذا الوهج من جديد، لاستقطاب حتى السائح العربي والأجنبي، لذا سيبقى الرهان على استيعاب أبناء وبنات الطائف لهذا التحدي، واستثمار هذه الفرصة بشكل احترافي لسبر أغوار طائف التاريخ، واستشراف وصناعة مُستقبل أبنائها، فاليوم حانت «ساعة الصفر» في الطائف، بل ودقت «ساعة العمل» فيها.
وعلى دروب الخير نلتقي.